كتبت بروفسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
الهجمات المنسّقة على المنشآت النفطية السعودية أثّرت سلباً على قدرة السعودية في تلبية الحاجات الدولية من النفط. أكثر من خمسة ملايين برميل خرجت من السوق، والسؤال مَن يقف وراء هذا الاعتداء؟
يقول الحوثيون في اليمن إنهم مسؤولون عن الهجمات على النفط السعودي، ولكنّ المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في السعودية يقول إنها أسلحة ايرانية استُخدمت في الهجوم على الموقع النفطي. كذلك أكد المتحدث أنّ الهجمات لم تكن من اليمن على الرغم من إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عنها. ورأيُ ترامب لا يطابق هذا التوجّه، عندما أعلن أنه قد تكون إيران وراء الحدث لكن من المبكر جداً التأكّد بصورة تامة. هذا مع الإصرار على القول إنه لا يريد الحرب مع إيران.
هذه هي الصورة لغاية الآن، والآراء متضاربة وكل يُلقي التهم على الآخر علماً أنه ليس من مصلحة إيران بدء حرب مع التحالف في هكذا ظروف إقتصادية واستراتجية. ولكنّ إعلان السعودية يتنافى مع ذلك حيث أعلنت وزارة الدفاع السعودية أنّ حطام طائرات من دون طيار وصواريخ كروز تثبت تورّط إيران في هجمات عطلة نهاية الأسبوع على المنشأة النفطية.
الأكيد في هذا الوضع، أنّ الهجمات على السعودية تهدّد استقرارَ المنطقة ككل، علماً أنّ ترامب، وفي حال كان يخطّط لحلّ عسكري فهذا يعني أنّ أميركا لم تتعلّم من دروس سابقة في الشرق الأوسط. وقد يكون سلاح العقوبات أجدى بكثير في هكذا حالة. وإدارة الأزمة بالطرق الدبلوماسية قد تكون الأحسن لجميع الأطراف علماً أنّ هكذا حالة سبق وشهدناها في العراق ولم تأتِ بالنتائج المرجوّة.
وللعلم أنّ التوترات بين الولايات المتحدة وإيران ارتفعت بشكل ملحوظ هذا العام وقالت الولايات المتحدة أنّ إيران كانت وراء الهجمات على ناقلات النفط في الخليج في حزيران وتموز الماضيين فضلاً عن أربعة أخرين في أيار ورفضت طهران الاتهامات في الحالتين.
وقد ارتفعت أسعار الطاقة العالمية يوم الإثنين بعد هجوم عطلة نهاية الأسبوع ما تسبّب في أسوأ انقطاع للإمدادات العالمية وارتفاع سعر الخام حتى استقرّ بزيادة 10 بالمئة وخام برانت زاد بنسبة 20 بالمئة أي بزيادة 6 دولارات عن معدله العام. الجدير بالذكر أنّ هجمات نهاية الأسبوع أوقفت إنتاج 5.7 ملايين برميل من النفط الخام يومياً بما يعني أكثر من نصف صادرات السعودية اليومية، وأكثر من 5 بالمئة من الإنتاج العالمي (أكثر الإنتاج يذهب الى آسيا). هذا الانخفاض هو الأهم منذ حدوث الثورة الإيرانية والتي انخفض معها الانتاج الى 5.6 ملايين برميل يومياً، حسب الأرقام الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية ومقرّها باريس. وذكر بيان صادر عن Hynes أنّ الوكالة على استعداد لنشر موارد لتعويض النقص الحاصل اذا لزم الأمر. والمضحك أنّ ترامب في تغريدة له قال لسنا بحاجة الى الشرق الأوسط ونفطه وغازه وأعطى نفسه الفضل في جعل أميركا منتجةً للطاقة في العالم.
لكن يبدو لغاية الآن أنّ الصورة ليست واضحة تماماً مع اتهامات واتهامات متبادلة وكثير من عدم اليقين لدقة ما حصل وكيف حصل ومَن الفاعل. وحسب بعضهم أنّ الأمر ما زال غير واضح تماماً، علماً أنّ الحوثيين، ورغم ادّعائهم أن لديهم هكذا أسلحة متطورة ما يعني أنهم غير قادرين على شنّ هجوم بهذا الحجم، علماً أنه وحسب مسؤولية عسكريين، أتى الهجوم من الشمال حيث إيران أو العراق وليس من الجنوب حيث اليمن.
ماذا يعني الهجوم على شركة أرامكو السعودية لأسعار النفط؟
إنّ أسعار النفط والتي ظلّت منخفضة لشهور شهدت ارتفاعاً ملحوظاً اذ إنّ إمدادات الطاقة انخفضت بنسبة مهمة، وقد ساهمت الأحداث في السعودية في زيادة التوترات في الشرق الأوسط مع مخاوف بشأن الإمدادات النفطية والتغيير المفاجئ في الخطرالجيوبوليتيكي يمكن أن يتسبّب في ارتفاع أسعار النفط الخام الى ما بين 5 دولارات الى 10 دولارات للبرميل، علماً أنّ المملكة تنتج حوالى 10 بالمئة من إجمالي العرض العالمي 100 مليون برميل يومياً.
ويتوقع محلّلون آخرون ارتفاعاً بسيطاً إذا ما تبيّن أنّ الأضرار يمكن حلُّها بسرعة وأن يرتفع سعر البرميل بنسبة 10 دولارات إذا ما تبيّن أنّ الضرر في منشآت أرامكو مهمة ولا يمكن إصلاحها بسرعة. محلّلون آخرون قالوا لـ CNN إنهم يعتقدون أنّ السعر قد يرتفع ليصل الى 15 دولاراً للبرميل نظراً للأضرار التي لحقت بالمنشآت السعودية. ومصادر اقليمية في الشرق الأوسط تقدّر بأن لدى أرامكو حوالى 200 مليون برميل في أمستردام واليابان والصين.
هذه الضربة على أرامكو تشكل أمراً بغاية الخطورة لا سيما أنّ الضربات تأتي في وقت تستعدّ فيه أرامكو للخصخصة، الأمر الذي جذب اهتماماً كبيراً مع ظهور بيع السندات الدولية في نيسان. أما الهجمات فيمكن أن تعقّد خطط أرامكو بسبب تزايد المخاطر الأمنية وتأثيرها المحتمل على تقييمها.
الأكيد أنّ الهجوم على منشآت النفط السعودية يغيّر مسار اللعبة الإقليمية علماً أنها أكبر تصعيد درامي للمواجهة بين إيران والسعودية، مع عدم اليقين حول مدى الخطورة التي أصابت محطة أرامكو وهذا ما يثير المخاوف في شأن الإمدادات النفطية العالمية.
الكثير من المحللين يعتمدون على تقارير عن الأضرار وكيفية الالتفاف حولها واستعادة كامل الانتاج لتهدئة الأسواق، وعلى كيفية ردّ السعودية إن كان اقتصادياً في السوق النفطية العالمية أو أنها ستردّ بطرق أخرى مثل مضاعفة حملتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن. الأمر لم يتّضح بعد. كلها أمور جيوسياسية واقتصادية متشابكة والكل يعلم أنّ الحرب غير واردة وقد يكون تأزيم الوضع وزيادة الضغوط على إيران هدفه جرّها الى طاولة المفاوضات لتقدم ما تريده أميركا منها. أميركا تعرف ذلك وإيران أكيدة منه أما نحن العرب فقد نكون ضحيته.