كثيرة هي الملفات الشائكة العالقة امام حكومة “الى العمل”، واكثر منها الازمات السياسية التي تعترضها وتعرقلها ومعظمها متأتٍ من “اهل البيت”. صحيح ان موجة النكايات السياسية التي تحكمت بمسارها وبلغت حدّ تعليق جلساتها اسابيع عدة وحتى اشهر على غرار ما جرى ابان حادثة البساتين- قبرشمون توقفت او فرضت الظروف الاقتصادية القاهرة وخطر الانهيار الشامل توقيفها، لكن الصحيح ايضا ان ربط النزاع الداخلي بين اكثر من مكون داخلها قد ينفك في اي لحظة، لا سيما بين من كانوا يصنّفون في الفريق السيادي وبين حزب الله، في ضوء التحولات الكبرى والاستحقاقات الداهمة التي ستترك مفاعيلها القوية على حكومة الرئيس سعد الحريري.
التحولات والاستحقاقات المشار اليها كانت محط نقاش واسع بين عدد من المسؤولين في لبنان والخارج بقيت ضمن القاعات المغلقة، وتركزت على امكانية تغيير الحكومة لمصلحة تشكيل اخرى من التكنوقراط نسبة للفوائد الكثيرة الممكن ان تؤديها في هذه المرحلة بالذات، كون استمرار الحالية قد يشكل خطرا من زاوية انفجارها او تطييرها على غرار تجربة العام 2011، او حتى عدم قدرتها على مواكبة مقتضيات الحقبة المقبلة، لاسباب تفندها اوساط سياسية مطّلعة لـ”المركزية” على النحو الآتي:
اولا: دقة الوضع الاقتصادي والمالي وخطورة تهاويه امام عجز السياسيين عن المعالجات الحقيقية سريعا فالمهلة المتبقية امام لبنان لتصحيح الاعوجاج لم تعد تتعدى الاشهر الخمسة، قبل صدور تقارير المؤسسات الائتمانية وتصنيفاتها المرجأة. هذا الكلام سمعه رئيس الحكومة في فرنسا اخيرا حتى ان الرئيس ايمانويل ماكرون اقترح، وفق ما تكشف الاوساط، الاستعانة بوزير المال الفرنسي والخبراء المعنيين بالملفات الاصلاحية والاجراءات المواكبة، اذا لزم الامر وتعذر على المسؤولين والخبراء في لبنان انجاز الاصلاحات المطلوبة لاطلاق مؤتمر سيدر.
ثانيا: دخول لبنان مدار حكم المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والذي بات شبه معلوم انه سيدين عناصر من حزب الله بعدما اتهمهم القرار الظني واعاد اتهامهم القرار الاخير الصادر في قضية محاولة اغتيال الوزيرين السابقين الياس المر والنائب مروان حمادة واغتيال امين عام الحزب الشيوعي جورج حاوي. فما تم غض الطرف عنه في القرار الاتهامي لا يمكن القفز فوقه مع صدور الحكم، اذ كيف سيتمكن الرئيس سعد الحريري من توزير شخصيات في حكومته متهم حزبها باغتيال والده؟ واذا رضي
“القتيل” بالجلوس الى جانب “القاتل” من اجل المصلحة الوطنية، ماذا عن عائلات واهالي سائر الشهداء الذين قضوا في حادثة الاغتيال؟ وماذا عن الرأي العام والشريحة الواسعة في الشارع السني الرافضة لسياسة استمرار الرضوخ لحزب الله بعدما تثبت ادانته؟
ثالثا: العقوبات الاميركية التي يشتد حبلها حول عنق الحزب الى الحدّ الاقصى ويبدو سينتقل في وقت غير بعيد الى اعناق اخرى من فريق الحلفاء، خصوصا ان اسماء وزراء بارزين في الحكومة تتردد في اطار الحديث عمن قد تطالهم العقوبات، بما يحوّل الحكومة اللبنانية الى حكومة معاقبة، فكيف يمكن ان تكمل مسارها آنذاك.
رابعا: عدم رضى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن اداء بعض الوزراء والحديث امام زواره عن تقصير بعضهم في واجبه الى درجة تضطره احيانا لمتابعة شؤون هي في صلب مهام هؤلاء، ما يدّل الى تذمّر وتململ من الاداء الوزاري قد يشكل قنبلة موقوتة في اي لحظة في ظل الواقع السياسي الذي يحكم علاقات المكونات الحكومية.
لكن، امام مجمل هذه الاسباب، تقول الاوساط ان ظروف التغيير الحكومي غير متاحة في اي شكل راهنا وان جولة النقاش المغلقة انتهت الى استحالة المغامرة بخطوة من هذا النوع ، نسبة للظروف والملابسات المحيطة بلبنان عموما وبالواقعين السياسي والاقتصادي خصوصا، وبمصالح القوى السياسية لا سيما حزب الله الذي ابدى امينه العام السيد حسن نصرالله تمسكه بالرئيس الحريري الذي لا بديل منه، وباستحالة تشكيل حكومة اذا فعلها الحريري.