Site icon IMLebanon

قطاع الإتصالات متى يتمّ تحريره؟

كتب مازن مجوز في “نداء الوطن”:

في كل دول العالم، يُنظر إلى قطاع الإتصالات وتقنية المعلومات كواحد من القطاعات الجاذبة للإستثمارات والتي تساهم بخلق فرص العمل. وقد تحول إلى واحد من البنى التحتية الاساسية للمجتمع الرقمي، أما في لبنان فينظر إلى هذا القطاع كمصدر مالي يغذي الخزينة ! علماً أن الحكومة اللبنانية ناقشت، ولأكثر من مرة، أهمية التحول إلى” حكومة رقمية” وذلك يستدعي أولوية المباشرة بتطوير هذا القطاع في وقت سريع لتأمين بيئة مناسبة للتواصل والتطبيقات والإستثمارات؟ وإلا كيف يمكن إطلاق “الحكومة الرقمية”، و”المدن الذكية” و” التداول الإلكتروني” أو حتى التعليم والصحة والإعلام الرقمي التفاعلي، من دون شبكات اتصالات متطورة تكون كلفتها مناسبة لـ” جيبة المستهلك “؟ وفي الواقع، لا يزال لبنان يتصدر قائمة الدول العربية في سعر دقيقة التخابر التي وصلت إلى 30 سنتاً، وأسعار التخابر فيه مرتفعة مقارنة مع الدول الأجنبية، كما أن جودة الاتصال والإنترنت ليست دائماً محل ترحيب من قبل المواطنين.

حلّ لبنان في المرتبة السادسة ضمن لائحة أغلى دقيقة خلوية في العالم(0,29) بحسب دراسة صادرة عن موقع “Numbeo” في الرابع من الشهر الجاري، والموقع يعد أكبر قاعدة بيانات في العالم، متخصصة في رصد ظروف المعيشة في أغلب المدن والبلدان .

هذا التفوق في الغلاء حافظ عليه لبنان من دون جهود فعلية لتخفيضه، بدليل التقرير الصادر عن الموقع ذاته في 26 تشرين الثاني 2016، حيث تصدر قائمة الدول العربية في سعر دقيقة التخابر بسعر 30 سنتاً، على الرغم من قيام الوزراء المتعاقبين على وزارة الاتصالات بتخفيض الأسعار مراراً، إلا أنها بقيت مرتفعة مقارنةً مع الحد الأدنى للدخل.

وتعود أسباب تضخم الفاتورة إلى الضرائب الكبيرة غير المباشرة التي يدفعها المستهلك اللبناني عند تسديد الفاتورة، والمعاناة لا تقف هنا بل تمتد إلى “تقطع” الإتصال بشكل مفاجئ ومتكرر، وكأن لبنان يقلد العديد من الدول كالجزائر، تونس، وغيرها .

تفيد التقارير الدولية، بأنّ قطاع الاتصالات بما فيه الإنترنت يساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما يساهم في جذب الاستثمارات، إذ أنّ فعالية الاتصال، وجودته من العوامل الرئيسية في جذب الاستثمارات، بعد أن تحول إلى أحد أبرز البنى التحتية الكفيلة بخلق مئات فرص العمل، وخصوصاً لخريجي الجامعات، والتي باتت طموحات معظمهم تصطدم بعبارة “عاطل عن العمل” أو بعملٍ بعيدٍ عن إختصاصهم بحثاً عن لقمة العيش، وإما يكمل سيره نحو مطار بيروت متأبطاً أوراق الهجرة إلى بلد يستثمر فيه تحصيله العلمي، بدلاً من وطن لا يأبه لظاهرة “هجرة الطاقات والأدمغة”.

خلال ورشة عملٍ بعنوان “تفعيل القيمة الاقتصادية والمالية لقطاع الاتصالات” إستضافها فندق “هيلتون – متروبوليتان” – سن الفيل، في 4 آذار الماضي كشف نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني أن ” قطاع الاتصالات شكل في عام 2017 نسبة 12% من إيرادات الدولة، أي رابع أعلى نسبة من الإيرادات، بعدما كانت هذه الإيرادات تشكل 16% قبل عام 2012 واحتلت المرتبة الثالثة”، لافتاً إلى أنه بعدما كان هذا القطاع يتقدم الدول في المنطقة في تطور الخدمات والكلفة، أصبح اليوم بحاجة إلى استعادة دوره، ولأنه يشكل دخلاً مباشراً للخزينة، لم تنخفض أسعاره بالمستوى المطلوب خوفاً على انخفاض العائدات.

وبرأي حاصباني، فإن الهيكلية الحالية للقطاع لا تخضع لمعايير القطاع الخاص ولا للرقابة المسبقة للقطاع العام، ما يجعل من كلفتها على الدولة والمواطن عالية”، معتبراً أنه “من أكثر القطاعات المؤهلة للشراكة مع القطاع العام، لتخفيف العبء عن الدولة وخفض الكلفة على المستهلك من خلال المنافسة، مطالباً بإدراجه ضمن سلة الإصلاحات الهيكلية لما له من أهمية اقتصادية ومردود مالي للخزينة في فترة وجيزة، في حال دخول القطاع الخاص عليه”.

الحق على الواتس أب

وفي هذا السياق يبرز تراجع الاموال التي تحولها وزارة الاتصالات من إيرادات الخلوي إلى الخزينة من 1107 ملايين دولار عام 2011 إلى 772 مليون دولار عام 2018 وكان لافتاً قول وزير الإتصالات محمد شقير قبل أشهر”قطاع الاتصالات لم يعد نفط لبنان … والحق على الواتس آب”.

بدوره يعزو جهاد الحكيّم، أستاذ محاضر في كلية الهندسة في الجامعة اليسوعية، والباحث في الشؤون الإستثمارية في حديث إلى”نداء الوطن” إرتفاع الاسعار في دقيقة الخلوي إلى “إحتكار السوق” الذي تمارسه شركتي MTC و ALFA، وتتفقان ضمناً على الأسعار والتعرفة، سائلاً “لماذا لا تقرّ الدولة قانون المنافسة لفتح أبوابها أمام شركات أخرى؟”، فإما الإقتصاد اللبناني إقتصاد حر وإما لا، وهذا ينسحب على كثير من القطاعات وليس حصراً على قطاع الإتصالات.

ويعطي مثالاً كمقارنة ففي المملكة العربية السعودية يقدم قطاع الاتصالات internet unlimited وبطاقة التشريج لمدة 3 أشهر، والـ sms مجاناً، والتكلم ضمن الشبكة الواحدة مجاني، وأنترنت سريع كل ذلك مقابل 100 دولار.

وإذ شدّد الحكيّم على أن الحلول الموقتة او الجزئية غير كافية، دعا المعنيين في القطاع إلى التوقف عن “تربيح المواطن جميلة” عند كل تخفيضٍ لسعر الدقيقة، والعمل على إدخال لبنان مجال “إقتصاد المعرفة ” من خلال تخفيض الأسعار وتحسين لنوعية وجودة الخدمات والتغطية في الانترنت والقطاع الخلوي، وبأسعار مقبولة، لا أن تبقى مناطق عديدة تعاني من ضعف الشبكة (عند الشركتين على حد سواء).

وكمثال عن تأثير الواقع على الإستثمار يورد أن أحد رجال الاعمال اللبنانيين ويدعى اليكس قزي، الذي كان شريكاً في شركة “مخصوم makhsoom.com”، وهو من أشهر المواقع الإلكترونية التجارية كيف غادر لبنان للإستثمار في دبي بسبب بطء الانترنت وكلفته المرتفعة.

ويتوقف الحكيّم عند التحول الاقتصادي الحاصل في بعض الدول العربية (ومن بينها الخليج العربي) معتبراً أنّه يمثل فرصةً ذهبية للبنان وعليه التقاطها، خصوصاً أننا نعيش في عصر السرعة والاقتصاد الرقمي والثورة الصناعية الرابعة، وإلا لن يكون للبنان مكان في الاسواق التنافسية إذا بقيت الامور على ما هي عليه.

وفي مثالٍ آخر يكشف أنّ الكثير من الشركات اللبنانية تغادر لبنان نتيجة واقع هذين القطاعين، والذي بات يُشكل عائقاً للاستثمار أمام الشركات العربية والاجنبية، مستدركاً: “لدينا عوامل كثيرة مساعدة، فجامعاتنا من أفضل الجامعات في المنطقة من حيث جودة التعليم، والخريجون اللبنانيون يتمتعون بإبداعٍ وقدراتٍ وإبتكارٍ كبير”.

فرص عمل تنتظر المتخرجين

أما من ناحية فرص العمل، فإنّه وفي حال أصبحت العوامل الآنفة الذكر متوافرةً في لبنان، فإن هذا يؤمن الكثير من فرص العمل، حيث الكثير من الشركات وفي أكثر من مجال، وحتى المئات من المغتربين من رجال أعمال ومتمولين وغيرهم يرسلون أعمالاً للخريجين (من ذويهم المتخرجين بالدرجة الأولى يتطلب تنفيذها أنترنت سريع مثل الـ after effect interior design 3D max – cinema 4D – montage – mixage –، واصفاً ذلك بأنه” إحدى الخطوات العملية المفيدة (مادياً)”، والكفيلة بالتخفيف من ظاهرة هجرة خريجينا.

في المقابل يرى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي في حديثٍ إلى”نداء الوطن” أن واقع قطاع الإتصالات كارثي، مذكراً أنّه لا يزال في أسفل اللوائح العالمية من حيث الجودة والخدمات والاسعار، بحيث يحتل لبنان المركز 175 من أصل 192 بلداً من حيث سرعة الإنترنت، والأخطر من ذلك تعامل الحكومة اللبنانية مع هذا القطاع وكأنه منصة ضرائبية تجبي منها عنوةً وقسراً أكثر من مئة مليون دولار شهرياً، وهذا أمر معيب ومرفوض بدل أن تتعامل مع القطاع كبنية تحتية اساسية – مثل الطرقات والنفايات والمياه والصحّة.

ورداً على سؤال يقول الخولي المنسق العام للتحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في القطاعات الاستخراجية: “إكتشفنا أن وراء هذه الخدمة السيئة تختبئ مافيات لتمرير الصفقات ومافيات مدعومة لعشرات شركات الانترنت الشرعية وغير الشرعية، فضلاً عن ذهنيةٍ منحرفةٍ لبعض أهل السلطة في الاستمرار في استنزاف هذا القطاع من دون الاستثمار في تحسين الشبكات وصيانتها، والادهى من ذلك كله غياب المسؤولية والمحاسبة”.

وفي ما يتعلق بالأسباب التقنية، يستغرب الخولي عدم تشغيل شبكة الألياف البصرية الحديثة بعد باستثناء حلقة ألياف ضوئية تربط 5 مكاتب أساسية بما في ذلك العدلية، الجديدة وطرابلس، وذلك بالرغم من تنفيذ الشركة المتعهدة لشبكة الالياف بكلفة 55 مليون دولار، ويضيف”كي يصل الإنترنت إلى الموزعين ومن بعدها إلى المنازل، يجب أن يمرّ في خطوط E1 وهي غير متوفرة بأعدادٍ كبيرةٍ، ويجب زيادتها وفق الحاجة. فيما يرتبط لبنان بالخارج عبر الكابلات البحرية IMEWE، CADMOS، ALETAR، BERYTAR “.

ويبدي الخولي تفاؤلاً حذراً حيال ما وعد به وزير الاتصالات نهاية تموز، متمنياً أن لا يتخطى ترف الوقت عدة اشهر، سائلاً: كيف سيتم هذا الامر في ظل التقشف الساري والثابت على موازنة 2019 و20 و21 ؟ ومن دونِ إرساءِ مبادئ الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد في قطاع لا يزال المتورطون فيه من شبكات الانترنت غير الشرعي منذ الفضيحة الشهيرة خارج السجن ومن صفقات مشبوهة خارج إطار المحاسبة؟.

ويتابع: “بالرغم من تخفيض الفاتورة بهدف تشجيع الإستهلاك بدلاً من تقنية “الواتساب”، الا أنّ الرسوم والضرائب تشكّل 65 % من قيمة الفاتورة، فيما الخدمات التي تقدمها الشركتان لا تساوي 3%من قيمة الفاتورة، ناهيك عن الابداعات في سرقة المستهلك من الاشتراك الشهري البالغ 15$ الى خدمة تبيان الرقم المتصل Clip التي تبلغ 4.5$، الى الضريبة على الضريبة 11% وإضافة قيمة الطابع الماليّ، بحيث تصبح الكلفة الأدنى نحو 24$ للخط الثابت، قبل احتساب أيّ تشغيلً للخط، ما يعني بأن المستهلك عليه أن يدفع ضريبة للوصول الى إستعمالِ حقٍ من حقوقه الاساسية في الحياة؛ وهذا يشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الامم المتحدة”.

فضائح بالجملة

ويصف الخولي تسعير فاتورة ومنتجات الخلوي بالدولار، بالـ” فضيحة” المخالفة لقانون حماية المستهلك، وهذا ينسحب على أغلبية الباقات التي تعرضها الشركتان، وعملية السرقة تبدأ باحتساب الثانية دقيقة، ناهيك عن إبداعات الباقات، والخطوط المسبقة الدفع .

وفي لغة الارقام، تبلغ كلفة الاتصال ضمن الشبكة نفسها 11 سنتاً للدقيقة وهي كلفة منتفخة، ويجب ألا تتعدى 5 سنتات، ومع شبكةٍ أخرى أو مع الشبكة الثابتة هي تقريباً 12 سنتاً، ويجب ألا تتعدى 6 سنتات، وكلفة الرسالة المحلية 5 سنتات ويجب ألا تتعدى 2 سنت، وكلفة الرسالة القصيرة الدولية 18 سنتاً للرسالة مهما كانت وجهتها يجب ألا تتعدى 10 سنتات، وكلفة الرسالة المتعدّدة الوسائط MMS هي 15 سنتاً مهما كان حجمها يجب ألا تتعدى الـ 7 سنتات، وكلفة خدمة الإنترنت 10$ لـ500 MB يجب الا تتعدى 3$ وهناك باقات بيانات أخرى للـMobile Internet:1.5GB بـ17$، 5 GB بـ23$، 10 GB بـ39$ يجب أن تحتسب على أساس النصف، وفق الخولي.

وحول المقارنة مع الدول الإقليمية والأوروبية فيعرب عن أسفه لاعتبار أن الناتج المحلي للفرد في هذه الدول يشكل أضعاف الناتج المحلي للفرد في لبنان، بينما لا تتجاوز فاتورة الخلوي 20 $ دولاراً عربياً الى 15 يورو اوروبياً، وهذا ما دفع بالمستهلك إلى الإنتقال تدريجياً من إستعمال الخلوي الى توفير خدمة مشابهة كـ “الواتس أب” وهذا ما دلت عليه الخسائر التي لحقت بالخزينة من جراء إستعمال هذه التقنية.

وكان وزير الإتصالات محمد شقير أكد في 31 تموز أن “الوزارة تدرك أهمية التحول إلى الإقتصاد الرقمي، وهي تعمل على توفير البنية التحتية من خلال الإسراع في مد شبكة الالياف البصرية خلال سنتين، وتواصل تعميم خدمة الـ 4G وصولاً إلى خدمات الـ LTE، كما تقوم بدراسةٍ لإطلاق خدمة الـ5G، وبدراسةٍ لمد الكابلات البحرية الجديدة للإنترنت بين لبنان والدول الأوروبية”، لأن “الإتجاه الآن هو لرقمنة الإتصالات والمعاملات”.

لجنة تحقيق برلمانية على …الطريق

وفي آخر جلسةٍ للجنة الاعلام والاتصالات في إطار درسها لواقع هذا القطاع، أعلن رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن يوم الإثنين الفائت(في 16 الجاري) المضي قدماً بلجنة تحقيق برلمانية لأن النفقات الرأسمالية والتشغيلية زادت والايرادات تناقصت، بعكس ما يجري حالياً في العالم، لافتاً إلى أنه لا توجد دراسة جدوى واضحة، وهناك تخطٍ للمعايير في الانفاق الراسمالي، إذن هناك تناقضات”.

أما جمعية حماية المستهلك، فتلفت في بيان صادر عنها في 14 نيسان الماضي إلى أن التوجه اليوم نحو الحزمة المتكاملة لعرضها على المستهلكين أسوةً بمعظم دول العالم التي تحتوي على الاتصال الصوتي الثابت والخلوي والانترنت والقنوات التلفزيونية، هذه الحزمات دخلت كل البيوت في العالم، الفقيرة منها والغنية، ومن شأنها أن ترفع موارد الوزارة إلى أقصى الحدود، أما العودة إلى سياسة الاحتكار ورفع الأسعار، فستدفع اللبنانيين إلى أحضان “الواتس أب” وغيره، وسيتحول قطاع الخلوي إلى صنم من الماضي”.

وبحسب البيان فإن القطاع يعتاش اليوم على احتكار تافه، يريد ان يمتص” قعر الطنجرة”، بإحتسابه الثانية دقيقة ويأخذ 17 ألف ليرة بدلاً للصلاحية شهرياً، ويوزع الخط الواحد إلى عدة مشتركين، وهو الوحيد القائم على الاذلال لمواطنيه، مذكراً كيف بني قطاع الخلوي بداية من جيوب المشتركين عندما دفع كل منهم 500 دولار، وقد انتج فقط عدة رجال سياسة مليارديرية، للأسف ما هكذا تبنى الأوطان؛ وهو الأمر الذي أشار اليه النائب الحاج حسن في الجلسة المذكورة بالقول “اليوم بعض الزملاء طالبوا بالـ 500 دولار التي دفعوها تأمينا ولم تعد لهم”.