كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
كانت وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن، بلا أي منازع، أكبر مفاجآت حكومة سعد الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون. هي أيضاً كانت من المتفاجئين بطبيعة الحقيبة المسندة إليها، كما كشفت في احدى مقابلاتها. لم يكن تعيين وزيرة وللمرة الأولى في “الداخلية”، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم العربي، مجرد تفصيل بسيط.
سبق للحريري أن استعان بخبرات الحسن في وزارة المال بين العامين 2009 و2011، ولكن أن تَخلف النائب نهاد المشنوق في وزارة الأمن والسياسة بعد ولايتين متتاليتين، فتلك مهمة لا تبدو سهلة أبداً. وهي حالة لا تشبه غيرها أبداً، فرضت نفسها بقوة الخبرة والحنكة المدعومتين بشبكة علاقات عابرة للحدود. وسيكون الجلوس على كرسي “النفوذ والسلطة”، اختباراً دقيقاً للوافدة من عالم الأرقام والحسابات.مقابل جنوح المشنوق إلى إمساك الأمن بقبضة السياسة، بدت الحسن أكثر ميلاً إلى “أنسنة” الوزارة في سلوكها. هي بنفسها قالت إنّ الظروف الأمنية تبدّلت بين ما كانت عليه أيام سلفها، وبين عهدها… بدليل أنّه منذ دخولها مبنى الصنائع، لم تضطر لمواجهة “فوبيا الإرهاب” إلا مرّة واحدة، بعد وقوع حادثة الميناء – طرابلس في حزيران الفائت.
زيارة تقنية بامتياز
هكذا، قررت وزيرة الداخلية وضع “خطّ أرزق” فاصل بين مقاربتها لكل ملفات الوزارة، ومقاربة سلفها. بدت غير معنية بأي مقارنة قد تضعها في مواجهة المشنوق. اختارت مساراً مختلفاً تماماً وتركت الحكم للنهاية.
وهذا ما يفسّر حرصها على أن تكون زيارتها إلى العاصمة الفرنسية تقنيّة بامتياز، كما أكدت لـ”نداء الوطن”، ولو أنّ لقاءاتها لم تخلُ من السياسة. ولكن في زمن “الشحّ المالي” الذي يدفع وزير المال علي حسن خليل إلى إقفال الخزنية العامة بأغلال “حديديّة”، تعمل وزيرة الداخلية على تهيئة البلديات لمواجهة المرحلة المقبلة ببعض الخبرات، التي تسمح لها بتأمين موارد ذاتية تغنيها عن تدخّل وزارة المال. ولذا صبّت كل مجهودها في هذا الاطار.
إنطلاقاً من مشاركتها في المؤتمر الثالث للتعاون اللامركزي الفرنسي – اللبناني الذي حمل عنوان “تطوير التعاون اللامركزي الفرنسي – اللبناني: جزء من دعم الحكم المحلي”، حاولت وزيرة الداخلية اللبنانية الاستفادة من الخبرات الفرنسية في هذا المجال لنقلها إلى البلديات اللبنانية، خصوصاً أنّ هناك نحو خمسين بلدية لبنانية في حال توأمة مع بلديات فرنسية.
وحرص الوزير المكلف شؤون السلطات المحلية في الجمهورية الفرنسية سيباستيان لوكورنو على المشاركة في أعمال المؤتمر كإشارة إلى عمق العلاقة مع لبنان لا سيما على المستوى المحلي.
وسعت الحسن إلى استثمار تلك المناسبة لتوسيع أطر التعاون بين السلطات الفرنسية والبلديات اللبنانية لمواجهة المرحلة المقبلة، في ضوء المهمات التي قد تلقى مستقبلاً على عاتق السلطات المحلية كمعالجة النفايات، على سبيل المثال. ورغم أنّ مشروع قانون اللامركزية الإدارية لا يزال على طاولة اللجان النيابية، وقد يوضع كسابقيه في الأدراج، لكن مقتضيات “العوز” في الخزينة العامة قد تدفع السلطة المركزية إلى تحميل البلديات أعباء مسؤوليات جديدة، قد لا تكون جاهزة لمواجهتها.
ولذا لا بدّ من اخضاع السلطات المحلية لدورات تدريبية تخوّلها مواكبة التحديات المقبلة وتساعدها على تعزيز قدراتها، لتكون قادرة على تنفيذ مشاريع تنموية أو صياغة اتفاقات تعاون مع بلديات أوروبية قد تساهم في تمويل هذه المشاريع. وهو مسار طويل قد يحتاج أشهراً من التدريب، ويفترض أن يبدأ من مكان ما كي تتمكن البلديات من جذب الدعم المالي واستخدام هذه المساعدات واستثمارها في نطاقها البلدي من دون الحاجة للسلطات المركزية.وقد أبدى الوزير الفرنسي كل دعمه لتقديم المساعدات التقنية في أي مجال تريده البلديات اللبنانية، كما أعرب عن استعداده لزيارة لبنان للبحث في أطر التفاهم والاتفاق ووضع استراتيجية تعاون بين الجهتين الفرنسية واللبنانية، يفترض أن تكون جاهزة للتوقيع عليها خلال زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المرتقبة الى بيروت.
وعلى هامش المؤتمر وقّعت وزيرة الداخلية اللبنانية بروتوكول تعاون لإنشاء برنامج تدريب للبلديات من تمويل أوروبي. كما عرضت للتحديات التي تواجه وزارتها مع نظيرها الفرنسي كريستوف كاستانير، على المستويات الأمنية، الاقتصادية، السلامة المرورية (نظراً للخبرة الفرنسية المتقدمة في هذا المجال)، أوضاع السجون، الدفاع المدني… وأبدى الوزير الفرنسي كل استعداد للتعاون في هذه المجالات.