كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:
في الوقت الذي ينتظر فيه الاقتصاد اللبناني المفاعيل الاجرائية للمساعدة المالية السعودية، برزت توصية بنك الاستثمار العالمي “غولدمان ساكس” Goldman Sachs للمسؤولين اللبنانيين، بعدم النوم على حرير الدعم المالي المنتظر، وإهمال الاصلاحات الضرورية. فبغض النظر عن حجم الاموال الآتية من “المملكة”، أو طبيعتها كوديعة مصرفية بالعملات الاجنبية أم استثمارية بالسندات السيادية، فهي لن تكون بديلاً من عملية الانقاذ الاقتصادي، وستفقد قيمتها سريعاً ما لم يتمّ البدء بتخفيض النفقات واصلاح الكهرباء وغيرها الكثير من مكامن الهدر والفساد.
تجسيد الدعم المالي من المملكة العربية السعودية، من شأنه أن يحسّن وضع السيولة الأجنبية ويخفف من مخاطر التمويل الخارجي على المدى المتوسط، خصوصاً بعد تراجع السيولة النقدية بالعملات الأجنبية بشكل تدريجي خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة للعجز الكبير في الحساب الجاري، والذي أدى الى إحداث فجوة في التمويل الخارجي بنحو 6.8 مليارات دولار في العام 2019 و 6.6 مليارات للعام المقبل. هذه الفجوة تعتبر بحسب “ساكس” من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد اللبناني، و”هي تشكل ضغطاً كبيراً على الدولة التي تمولُها عن طريق استهلاك احتياطيات العملات الأجنبية في المصرف المركزي، ومن خلال الهندسات المالية بين البنوك التجارية ومصرف لبنان”. وعليه فإن المساعدة المالية ستصب في خانتين أساسيتين: تمويل ميزان المدفوعات ودعم إجمالي احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية. كما سيكون لهذا الدعم انعكاسات ايجابية على شعور المودعين والمستثمرين تجاه لبنان، ما سيُترجم زيادة في تدفقات رأس المال وشراء اليوروبوندز.
شكل المساعدة ومفاعيلها
مجرد الحديث عن المساعدة السعودية رفع قيمة سندات اليوروبوندز لاستحقاق 2037 بمعدل 2 سنت. وهو أمر إيجابي انما “لا يعتبر شيئاً أمام هدر الكهرباء البالغ 2 مليار دولار والمرشح للارتفاع في حال ازدياد اسعارالنفط عالمياً”. يقول عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي د.أنيس بو ذياب، ويضيف أنه “بغياب الاصلاح الجدي والحقيقي لن يكون هناك أي قيمة لأي وديعة، ولعل وديعة الـ 1.4 مليار دولار التي أتت من خلال بنك “سوسييته جنرال” مع “غولدمان ساكس” خير مثال، فهي رفعت إحتياطي العملات الاجنبية، وخلقت حالة إيجابية لكنها لم تفعل شيئاً أمام استنزاف موجودات الدولار البالغة 6 مليارات دولار في المركزي سنوياً، وأكثر من 16 ملياراً على الصعيد الاقتصادي العام. المساعدة المالية المتوقع أن تأتي بالشراكة بين المملكلة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، والمقدرة قيمتها بين 1.5 و 2 مليار دولار، ستكون إيجابية بجميع الاحوال. إلا أن نوعها يشكل فرقاً اساسياً، فالاكتتاب بالسندات يعتبر استثماراً مهماً، يحسّن من أسعار السندات ويرفع قيمتها ويخفف من حجم خدمة الدين، لكنه يبقى في النهاية ديناً مع فوائد مرتفعة. أما الوديعة في “المركزي” فهي تؤدي الى زيادة احتياطي العملات الاجنبية من دون أي كلفة على الدولة.
الإصلاح أولاً
البارحة وُضع رئيس الجمهورية خلال مشاركته في اجتماعات الامم المتحدة بأجواء تأخر أموال “سيدر” في حال لم تتم الاصلاحات، وقبلها بيومين قيل للرئيس الحريري بالمباشر بضرورة البدء بالاصلاح، والكهرباء تحديداً، لتسريع تنفيذ مقررات مؤتمر دعم لبنان الرابع. فهل يلتزم لبنان بالاصلاح قبل وصول الدعم السعودي لزيادة الاستفادة منه وعدم استنزافه أم تبقى الأمور تراوح مكانها وتضيع فرصة جديدة كسابقاتها من الفرص؟ سؤالٌ أجاب عليه بنك الاستثمار العالمي “مورغان ستانلي”، الذي قال في تقريره إن الدعم المالي على أهميته، لن يكون كافياً من تلقاء نفسه في ظل ما يعانيه الاقتصاد من اختلالات داخلياً وتحديات جيوسياسية خارجياً، وإن زيادة ودائع المصارف بقيمة 2 الى 3 مليارات دولار مع اصدار سندات حكومية بالقيمة نفسها، ستساعد لفترة تتراوح بين 18 إلى 24 شهراً على تغطية فجوة التمويل الخارجي للبنان وتحسين معنويات السوق. لكن حتى هذه الحزمة التي ستصل بحسب “ستانلي” إلى 6 مليارات دولار من دون أي كلفة على الحكومة، تتطلب من الدولة تطبيق التوحيد المالي القائم على الإيرادات أو زيادة تعرفة الكهرباء، إلى جانب الدعم المالي السعودي، وذلك من أجل الحد من تصوّر المستثمر للمخاطر تجاه لبنان.