كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:
على وقع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من باريس خالي الوفاض من هدايا مجانية فورية، بل مُحمّلاً بـ«homework» على حكومته تَأديته للحصول على «هدايا «سيدر»، ووجِه بأوّل اعتراض لِما يعتبره من «ضرورات الإصلاح». المواجهة حصلت في مجلس النواب لا مجلس الوزراء، وأظهَرت ردّة فعل الحريري بخروجه مُغتاظاً من الجلسة التشريعية أمس، وكأنّه «مَخنوق». فإنجازُ الفروض المطلوبة منه دولياً، في ظلّ نظام المحاصصة والتطييف، عملية ليست سهلة على الرجل المُقيَّد بالتسوية السياسية الداخلية من جهة وبمطالب دولية من جهة ثانية، لا يُمكنه التعهّد بتنفيذها.
يعترف «مستقبليون» أنّ الرئيس سعد الحريري ليس الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فعوامل وظروف عدة لا تُسعفه في أخذ الأمور على عاتقه، وفي الحصول على دعم دولي للبلد من خلال شخصه. الظروف السياسية في هذه المرحلة تختلف عن الظروف في التسعينيات، حين كان الوضع الدولي مختلفاً، وكانت هناك تحضيرات لحلولٍ جدّية في المنطقة، على عكس المرحلة الحالية حيث تعمّ الفوضى والأفق غير واضح، كذلك كان لبنان من ضمن الأولويات في المنطقة فيما أصبح اليوم على هامشها. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الرئيس رفيق الحريري كان يتمتّع بدعم متعدّد الأبعاد: سعودي مفتوح، من مجموعة من الدول العربية، إقليمي ودولي. ونجح بإنشاء «كونسورتيوم» جمع رؤساء دول إسلامية معتدلة، وكانت تربطه صداقة بمسؤولين رفيعين في دول غربية عدة يدعمونه ويثقون فيه.
لهذه الأسباب، إضافةً إلى عوامل داخلية وخارجية عدة، يبدو أنّ أيَّ دعم دولي سيلقاه الرئيس سعد الحريري لن يكون لشخصه فقط، على رغم أنّ شخصه أساسي بالنسبة الى الخارج، ويُعتبر عنصر توازن على مستوى السلطة حيث الغالبية لـ«حزب الله». وبعد المسار منذ التسوية الرئاسية في 2016، يواجه رئيس الحكومة في المرحلة الحالية شروطاً دولية قاسية على مستويَين:
الأول، طريقة لجم «حزب الله» وحلفائه.
الثاني، طريقة بدء الإصلاحات.
وعلى الحريري، لكي يحصل على دعم للبنان، أن يثبت أنه قادر على استثمار هذا الدعم في تحقيق الشروط المطلوبة. لكن لا يُمكن الحريري قطع الوعود على المستويَين، إذ لا يُمكنه ضمان «التيار الوطني الحر» أو «حزب الله» أو رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا حتى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وقد يتمكّن من ضمان حزب «القوات اللبنانية» فقط.
ويشعر الحريري أنّه قد لا يتمكّن من النجاح في المهمة المطلوبة منه، إذ إنّه يُواجَه بالمحاصصة الطائفية والمناطقية والحزبية، ويظهر «ضيق» رئيس الحكومة في محطات عدة لأنّ القرار ليس بيده، وآخرها خروجه أمس من الجلسة التشريعية، على خلفية إعتراض نواب تكتل «لبنان القوي» ونواب آخرين عن المتن على طلبه استرداد الحكومة مشروع قانون يتعلّق باعتمادات لاستكمال مشاريع في جبل لبنان، يرى الحريري أنّ لا مال لتمويلها.
وتعترف مصادر تيار «المستقبل» أنّ الحريري يتصرّف بواقعية وبراغماتية، ولا يُمكنه تقديم أيّ ضمانة، فهل يُمكنه القول للرئيس الفرنسي إنه يملك ضمانة من «حزب الله»؟ هل يمكنه أساساً أخذ ضمانة من «حزب الله»؟ هل يُمكنه ضمان وقف الهدر في ملف الكهرباء وفي الإدارات العامة، وهو لا يمون على غالبية مكوّنات الحكومة؟
وتؤكّد هذه المصادر أنّ الحريري يعمل قدر المستطاع على تنفيذ المطلوب لمنع الإنهيار، لكنه موجود داخل منظومة «الشركة الوطنية»، التي سقطت فيها كلّ تجارب الإصلاح منذ ما قبل الحرب الأهلية.
يرتفع الضغط على الحريري، ويقول البعض: «كنّا تفاءلنا لو عاد بعد لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محمَّلاً بالهدايا، ومعلناً مباشرة تنفيذ مشاريع «سيدر»، فمن دون بدء ضخّ أموال «سيدر» يبقى الأفق مُغلقاً، وتحسُّن وضع الحريري مرتبط بتحسُّن وضع البلد. كذلك يبدو أنّ الدعم السعودي مرتبط بدوره بالشروط الدولية».
ويشتدّ الضغط على رئيس تيار «المستقبل»، حتى داخل تياره، حيث يُطالبه كثيرون بالخروج من التسوية السياسية وعدم تحمّل تبعات مسار سياسي لا يملك قرارَ وجهته، إلّا أنّ الحوار والتواصل بين الحريري والمكتب السياسي للتيار شبهُ مفقود، إذ إنّ المكتب مُعطّل ولا يجتمع منذ أشهر.
على رغم ذلك، تعتبر مصادر قريبة من رئيس الحكومة أنّ الأمل كبير على مستوى البلد، فالإشارات الإيجابية واضحة من خلال الدعم الفرنسي والأوروبي عبر «سيدر». لكن هذه المصادر تعترف في الوقت نفسه، أنّ «المطلوب منا القيام بالـ«home work» المترتب علينا للحصول على هذا الدعم، وهو استعجال السير في الإصلاحات اللازمة وتغليب مصلحة البلد على أيّ مصلحة أخرى».
وترى هذه المصادر أنّ «نسبة الوعي متفاوتة لدى الأفرقاء السياسيين»، مؤكدةً أنّ «أيَّ خلاف سيعوق مسيرة الإصلاح ويُشوّه الصورة الإيجابية التي يجب أن نظهرها للمجتمع الدولي، الأمر الذي سيؤدّي إلى دفع لبنان أثماناً طائلة. لذلك يجب الاستعجال وتجاوز الإشكالات وبدء الإصلاحات».
وتشدّد على أن «لا خيار لدينا إلّا النجاح في هذا التوجّه، فإذا أخفقنا لأيّ سبب في انتهاج الخط الإصلاحي، سيدفع البلد الثمن أولاً، كذلك سيدفع جميع المسؤولين الثمن وليس الحريري فقط».
لكن، ألن يتحمّل الحريري مسؤولية هذا الإخفاق بسبب تمسّكه بالتسوية و«مترتباتها»؟ تجيب المصادر: «تحميل المسؤولية عند انهيار البلد لن ينفع وسيكون كالبكاء على الأطلال».