كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
تأتي الزيارة الخاطفة لمساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال مارشال بيلنغسلي، لبيروت، في إطار إدراج واشنطن للبنان على لائحة الدول الخاضعة لرقابتها المشدّدة، سواء بالنسبة إلى مواكبة تطبيق العقوبات المفروضة على «حزب الله» باعتباره الذراع العسكرية والسياسية لإيران التي تمعن في زعزعة الاستقرار في المنطقة والتدخّل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية أو في شأن الإسراع بتصفية «جمال ترست بنك» الذي اتهمته الخزانة الأميركية بفتح حسابات لأشخاص ومؤسسات تابعة للحزب.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية ومصرفية أن المسؤول الأميركي أراد من خلال لقاءاته في بيروت، وبعضها بقي في منأى عن التداول الإعلامي، توجيه رسائل سياسية عدة في أكثر من اتجاه، أبرزها تحذيره حلفاء «حزب الله» من اللجوء إلى خرق العقوبات المفروضة عليه بتقديم مساعدات ميدانية ومالية وعسكرية له.
ونقلت هذه المصادر عن الوفد الأميركي قوله إن من يُقدم على تقديم المساعدات لـ«حزب الله»، أياً تكن هذه المساعدات، سيعرّض نفسه للعقوبات التي ستترتب عليها ملاحقته والاقتصاص منه.
ولفتت إلى أن لتوقيت حضوره إلى بيروت علاقة مباشرة بالتأكد من أن «حاكمية مصرف لبنان» باشرت بإخضاع «جمال ترست بنك» للتصفية تحت إشرافها بدلاً من أن تترك لإدارته الشروع في تصفية ذاتية قد تحتاج إلى وقت لإنجازها بالكامل.
وأكدت المصادر الوزارية والمصرفية أن الموفد الأميركي أبدى ارتياحه للخطوة التي أقدم عليها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على طريق تصفية البنك، واصفاً ما قام به بأنه عمل جيد. وقالت إنه لم يأتِ خلال لقاءاته على ذكر أسماء مصارف جديدة يمكن أن تشملها العقوبات الأميركية، بخلاف ما كان يُشاع في الصالونات السياسية أو في الكواليس.
غير أن المصادر نفسها جزمت بأنه «كان قاسياً إلى أقصى الحدود في حديثه عن ضرورة تجنّب المصارف اللبنانية فتح حسابات لـ(حزب الله) أو لمن ينوبون عنه في فتحها بغية إبعاد الشبهة عنهم وضمان عدم ملاحقتهم».
ولاحظت أنه «أبدى حرصه الشديد على حماية النظام المصرفي في لبنان ودعم الاستقرار الاقتصادي». وقالت إن إشادته بالتعاون القائم مع جمعية المصارف، إضافة إلى مصرف لبنان، لمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال وتجفيف الأصول المالية لإيران وحلفائها في المنطقة لم تمنعه من القول إنه «حتى لو افترضنا أن مصارف ارتكبت مخالفات وأخطاء في فتح حسابات للحزب، فلا مانع لدينا من أن تبادر إلى تنظيفها».
ولاحظت أن الموفد الأميركي لم يأتِ في بعض لقاءاته على ذكر أسماء المؤسسات والجمعيات الخاضعة لـ«حزب الله» مباشرة أو بالواسطة والمشمولة بالعقوبات الأميركية، فيما سمى بعضها في لقاءات أخرى.
وعليه، فإن حضور بيلنغسلي إلى بيروت كان تلازماً مع رزمة من الإجراءات والتدابير اتخذتها وزارة الأمن الوطني الأميركي تتعلق بسفر اللبنانيين إلى الولايات المتحدة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية بأن واشنطن باشرت اتخاذ تدابير مشدّدة إزاء من يودّون السفر إلى الولايات المتحدة. وقالت إن القنصلية الأميركية في بيروت التي تتبع مباشرةً وزارة الأمن الوطني بدأت تتمتع بصلاحيات واسعة، سواء لجهة امتناعها عن تجديد سمات الدخول للولايات المتحدة لبعض اللبنانيين أو لجهة إلغاء سمات الدخول لعدد آخر قبل انتهاء صلاحيتها.
وأكدت أن القنصلية امتنعت عن إعطاء سمات الدخول أو تجديدها لعدد من النواب، وأن وزير الصحة جميل جبق المحسوب على «حزب الله»، لم يكن الوحيد الذي تعذّر عليه تجديد سمة الدخول ليكون في عداد الوفد المرافق لرئيس الجمهورية ميشال عون إلى نيويورك.
ولفتت المصادر نفسها إلى أنه «حتى من لديه سمة دخول سارية المفعول عليه أن يتواصل مع القنصلية الأميركية في بيروت للتأكد مما إذا كان يحق له السفر أو أنه في عداد غير المرغوب فيهم، ما يعني أن سمة الدخول أصبحت ملغاة تلقائياً».
وقالت إن مثل هذه التدابير تنطبق على اللبنانيين ممن يحملون الجنسيات الأوروبية، علماً بأنهم كانوا يتنقلون بحرية ويتوجّهون متى يشاءون إلى الولايات المتحدة باعتبار أن لديهم جنسيات أوروبية وليسوا في حاجة لمثل هذه الإجراءات.
وأكدت أن لبنانيين ممن يحملون جنسيات أوروبية اضطروا إلى العودة إلى المكان الذي سافروا منه فور وصولهم إلى المطارات الأميركية. وقالت المصادر إن جهات رسمية كانت قد أثارت هذه المسألة مع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، في زيارته الأخيرة لبيروت، لكنه أبلغ من يعنيهم الأمر بألا دخل للخارجية بكل هذه التدابير.