رسمتْ أوساطٌ واسعة الاطلاع عبر «الراي» لوحة قاتمة حيال المرحلة المقبلة في لبنان الذي يجد نفسَه يوماً بعد آخَر أمام ما يشبه «مثلّث برمودا» الذي يشكّله «الاختفاءُ» المفاجئ للدولار من الأسواق وكأنه رأسُ «جبلِ انهيارٍ» مكتوم، وبلوغ العقوبات الأميركية الأقسى على «حزب الله» مرحلةً بالغة الحساسية على لبنان الرسمي ما لم يتم تَدارُك «اختفاء» الخيْط الفاصل بين «الدولة» والحزب، وبروزِ الأكلاف الباهظةِ لمضيّ الحزب في أجندته المرتبطة بمشروع إيران في المنطقة.
ولم تكن عاديةً الخلاصاتُ حول محادثات الـ24 لمساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة الارهاب مارشال بيلينغسلي في بيروت، والتي بدا أنها تؤشر إلى «جولة الذروة» في قرار «خنْق» الحزب من ضمن استراتيجية «قطْع الأوردة» المالية لإيران وأذرعها، وسط معلوماتٍ عن أن المسؤول الأميركي حَمَل معه ما يشبه «الإنذار الأخير» بضرورة النأي عن الحزب على قاعدة أن «عصا» العقوبات لن توفّر كل مَن يقدّم «دعماً عيْنياً» له بمعزل عن هويته الطائفية أو السياسية.
وتقاطعتْ المعلومات حول محادثات بيلينغسلي عند أن خطةَ إيصال «حزب الله» إلى مرحلة «صفر دولار» التي تُلاقي خطةَ بلاده المماثلة تحت عنوان «صفر نفط» (صادرات) لإيران، صارتْ «بلاد حدود»، مع استمرار تحييد القطاع المصرفي اللبناني الذي تعتبر واشنطن أنه يمتثل لمقتضيات العقوبات وتأكيد الثقة بمصرف لبنان المركزي وحاكمه رياض سلامة.
ورغم أن المسؤول الأميركي نفى ما تردّد عن لائحة بـ3 مصارف لبنانية جديدة (بعد جمال تراست بنك) مرشّحة لتعقُّبها بالعقوبات أو لائحة أسماء جديدة جاهزة، فهو أبلغ مَن التقاهم أن الولايات المتحدة ستعاقب أي فريق يقدم «دعماً عينياً» لحزب الله. لكن اللافت أنه لدى سؤاله عن معنى «الدعم العيني» وإذا كان يشمل الدعم السياسي اكتفى بالقول: «نعم».
واستوقف دوائر سياسية تصويب بيلينغسلي في معرض إصراره على «إحكام الطوق» حول «عنق حزب الله» على وجوب قفْل «الرئة» المالية الموازية للحزب (غير النظام المالي) والتي يمثّلها قطاع الدواء والمرفأ والمطار والمنطقة الحرة، وهو ما يشي بأن الحكومة باتت تحت المجهر في كيفية ضبْط هذه القطاعات والمَعابِر.
وفيما عبّرت السفارةُ الأميركيةُ عن «السقفِ العالي» لمهمة بيليغنسلي الذي شجّع «لبنان على اتخاذ الخطوات اللازمة للبقاء على مسافة من حزب الله»، برز ما يشبه «الخروج الاضطراري» لرئيس البرلمان نبيه بري عن صمته حيال زيارة المسؤول الأميركي، مشيراً إلى «أننا أَسْمَعْناه ما يجب أن ينقله إلى إدارته، انسجاماً مع ما تمْليه مصلحتنا الوطنية العليا تجاه لبنان ومؤسساته وإنسانه وثوابته التي لا نُساوِم عليها».
وفيما كانت الأنظارُ على زيارةِ الرئيس ميشال عون لنيويورك وما يمكن أن تحمله، لم تقرأ أوساط سياسية إيجاباً مقاطعة عون للسنة الثالثة الاستقبال التقليدي الذي أقامه مساء أمس دونالد ترامب لرؤساء الوفود المشارِكة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولا عدم مشاركته الشخصية في مؤتمر «الدعوة العالمية لحماية الحرية الدينية» الذي أقيم في مبنى الأمم المتحدة واستضافه الرئيس الأميركي.
وإذ شكّلت محادثات عون مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد أهمية الالتزام بتوطيد العلاقات وضرورة المضي بتنفيذ الإصلاحات في الطريق إلى بدء تطبيق مقررات «سيدر»، محطة مهمة في أجندة اللقاءات الدولية للرئيس اللبناني، أكد وزير الخارجية جبران باسيل من نيويورك «لا نريد أن يكون لبنان ملحقا بأي محور، لا الإيراني ولا غيره، ونحن في الخارجية نطبق مبدأ النأي بالنفس».
وبعد «صرخة» قطاع المحروقات وتلويحه بإضراب مفتوح ما لم تُحل إشكالية بيعه بالليرة اللبنانية وشرائه بالدولار «المفقود» تقريباً، ارتسمت ملامح «أزمة طحين» مع إعلان «تجمع المطاحن في لبنان» ان «صعوبة التحويل من الليرة إلى الدولار وفارق أسعار الصرف، بدأ يؤثّر سلباً على استمرار عمل المطاحن التي تبيع إنتاجها من الطحين بالليرة اللبنانية»، مشيراً إلى أنّ «الاحتياط التمويني من القمح لدى المطاحن انخفض إلى مستوى يشكل خطراً، ما قد يعرض البلاد إلى أزمة تموينية إذا لم تحل مشكلة الدولار الذي تتم بواسطته عملية الاستيراد».