كتب يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط:
عادت علاقة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري مع «التيار الوطني الحر» ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، إلى دائرة الاضطراب، بعد الخلاف الذي نشب أول من أمس داخل القاعة العامة لمجلس النواب بين الحريري من جهة، ونواب من تكتل «لبنان القوي» من جهة أخرى.
واعترض نواب «لبنان القوي»، المحسوبون على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، على قرار الحكومة تمويل مشاريع إنمائية لبعض المناطق؛ ما دفع الحريري إلى الانسحاب من الجلسة التشريعية، بعدما اعتبر «تيار المستقبل» الذي يقوده الاعتراض تعدياً على صلاحيات رئيس الحكومة.
وجاء انسحاب رئيس الحكومة من الجلسة، بعد مداخلة لرئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، سجّل فيها اعتراضه على استرداد رئيس الحكومة مشروع قانون يتعلّق باعتمادات لاستكمال مشاريع في جبل لبنان. وتبعت المداخلة كلمات لنواب آخرين من التيار العوني، منهم سيزار أبي خليل وسيمون أبي رميا، وصفوا فيها قرار استرداد مشروع القانون بـ«التعسفي» ويوقف الإنماء في مشاريع حيوية في جبل لبنان والجنوب.
وتضاربت تفسيرات الطرفين لما حصل؛ إذ اعتبر عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش، أن «انتقاد رئيس الحكومة في البرلمان هو جزء من اللعبة الديمقراطية، شرط أن يكون الفريق المنتقد في معسكر المعارضة». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «من يتمدد داخل السلطة ويهاجم رئيس الحكومة عليه أن يستقيل من الحكومة أو يقيلها»، معتبراً أن «البعض يعيش تناقضات كبيرة، ويعتمد الخطاب الشعبوي والطائفي والمناطقي في إطار ممارسته السلطة».
ورغم احتواء التوتر وعودة رئيس الحكومة إلى الجلسة التشريعية، أول من أمس، فإن جمهور الفريقين تفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدماً الاتهامات المتبادلة. وقلل «التيار» من أبعاد ما حصل، في حين أكد مصدر في تكتل «لبنان القوي» أن «الجدال الذي شهدته قاعة البرلمان، لن يؤثر على علاقة التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وقيادتيهما، ولن يضرب التحالف القائم بينهما». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما طالب به نواب التكتل هو تنفيذ مشروع حيوي لمنطقة معينة، يحتاج إلى استكمال منذ عام 2014، وأن تكون هناك مساواة في تمويل المشاريع الإنمائية بين كل المواطنين». وطمأن المصدر إلى أن «صلاحيات رئيس الحكومة محفوظة بالدستور والممارسة، والكل يحترم هذه الصلاحيات، ومن حق رئيس الحكومة أن يستردّ أي مشروع قانون مقدم من الحكومة، وهذا لا مساومة عليه».
ويشكّل استمرار التسوية السياسية مصلحة لكل من عون والحريري؛ كونها تضمن للأول تجنّب عهده الاضطراب والفراغ الحكومي، في حين تضمن للثاني بقاءه في رئاسة الحكومة طيلة المدة المتبقية من ولاية الرئيس. غير أن القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش رأى أن ما حصل «لا تتوقف على المس بصلاحيات رئيس الحكومة، بل تظهر أننا مجموعة من القبائل التي تتقاسم الحكم، على قاعدة إما نتوافق على كل شيء أو نعطل كل شيء».
ونبّه إلى أن «سلوك وزراء ونواب التيار الحر بدأ يؤثر سلباً على التسوية بين الرئيس الحريري وفريق العهد… الحريري يراهن على نجاح مؤتمر سيدر ليستثمر كنجاح للبنان في السنوات العجاف التي نعيشها الآن، لكن هذا النجاح غير متوافر في ظل استمرار الهدر، وبقاء (حزب الله) خارج منظومة الدولة»، مؤكداً أن «هذه التطورات ستعقد العلاقة بين الحريري وباسيل».
ويتزامن الخلاف بين الطرفين مع وجود عون وباسيل في نيويورك، لكن ذلك لا يعني أن باسيل كان على تواصل دائم مع نوابه. واستغرب المصدر في تكتل «لبنان القوي» إعطاء تفسيرات خاطئة لما حصل، مشدداً على أن «المشادة الكلامية التي شهدها مجلس النواب لن تهز التسوية». وقال: «نحن والمستقبل لسنا جسماً واحداً، وكلّ فريق له وجهة نظر، وهناك أمور نختلف حولها، لكن ما نتفق عليه أكبر بكثير من نقاط الاختلاف»، مؤكداً أن «التيار الوطني الحر وتكتله النيابي لن يتوقفا عند أمور بسيطة، وسجالات مجلس النواب باتت وراءنا، ونحن أمام مرحلة من العمل المشترك، وأهمها مشروع الموازنة والإصلاحات المالية والاقتصادية ومكافحة الفساد ووقف الهدر لتصحيح ميزانية الدولة».