IMLebanon

هل تُرفع “الحصانة الدولية” عن لبنان؟

كتب د.عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:

يُجمِع المراقبون على ان لبنان دخل منطقة الخطر على استقراره  ووحدته كما صدقيته عند الدول الأجنبية التي كانت ترى فيه نموذجاً

تتراكم الأزمات الداخلية والخارجية على لبنان، وكلما تراءى للمسؤولين انهم تخطوا واحدة منها، برزت إلى الواجهة عدّة أزمات أخرى أدق واخطر من اللواتى سبقتها حتى وصل الأمر بالدولة العليا إلى الغرق الذي لا مفر منه. فمن أزمة ارتفاع الدين العام إلى حدود الاشراف على الإفلاس من دون ان يتمكن أهل السلطة من خفض العجز ولو الى حدود مقبولة، إلى ارتفاع منسوب الفساد لدرجة لم تعد مقبولة، إلى العجز التام عن الالتزام بالاصلاحات الهيكلية التي تجعل المجتمع الدولي ولا سيما الدول المانحة يمد يد المساعدة لإنقاذ لبنان وصولاً إلى أزمة شح الدولارفي الأسواق اللبنانية وأخيراً لا آخراً عودة التوتر الطائفي الشبيه إلى حدّ بعيد بذلك التوتر الذي سبق الحرب الأهلية، التي دمرت البشر قبل الحجر وما زالت آثارها السلبية، رغم مرور حوالى ثلاثين عاماً على وقفها، تنخر في الجسم اللبناني، من خلال اقدام إحدى الكتل النيابية على طرح اقتراح بتعديل قانون الانتخاب الحالي،  الذي غلب عليه الطابع الطائفي ناهيك عن التوتر الطائفي أيضاً الذي ساد جلسة مجلس النواب بفعل اعتراض نواب المتن على سحب رئيس الحكومة مشاريع مخصصة لمناطقهم، لعدم توفّر الاعتمادات اللازمة من جهة، ولضرورات خفض الانفاق التي تقتضيها مصلحة الخزينة من جهة ثانية.

يجمع المراقبون لكل هذه التداعيات المترابطة بعضها مع البعض الآخر على ان لبنان دخل منطقة الخطر على استقراره ووحدته، كما فقد صدقيته عند الدول الأجنبية التي كانت ترى في هذا البلد نموذجاً للتعايش الطائفي والتعدد يوجب المحافظة عليه ومنعه من السقوط، وقد تجلت هذه الظاهرة في النصائح التي قدمها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى المسؤولين اللبنانيين بكافة طوائفهم وأطيافهم ومذاهبهم خلال المباحثات التي أجراها مؤخراً مع رئيس حكومة لبنان سعد الحريري حول السبل الآيلة إلى تحريك مقررات مؤتمر «سيدر» الخاصة بدعم لبنان والتي يستشف منها، خلافاً لكل المحاولات، ان الرئيس الفرنسي بات يُدرك ان المسؤولين اللبنانيين كلهم أو جلهم إما انهم عاجزون عن تنفيذ ما التزموا به تجاه الدول المانحة أو انهم تخلوا عن تحمل مسؤولياتهم تجاه بلدهم ليتركوه في مهب الضياع. اضف إلى ذلك الموقف الأميركي السلبي نسبياً تجاه لبنان والذي عبر عنه نائب وزير الخزانة الأميركية خلال لقاءاته مع كبار المسؤولين اللبنانيين والذي يلتقى مع موقف الرئيس الفرنسي الذي عاد به رئيس الحكومة، بل يزيد عليه لجهة ان الحكومة الأميركية ماضية في سياسة تضييق الحصار على لبنان المرتهن لحزب الله، وامتداداته الإيرانية وهي بالتالي يعنيها ان يتعافى لبنان ويتخلص من أزماته الاقتصادية التي يتخبّط بها نتيجة سوء الإدارة ما دام رهن قراره للمصنفين ارهابيين من قبلها، وهو يقصد بذلك حزب الله.

اما في الشق الداخلي، فينظر المراقبون أنفسهم إلى ردّة الفعل التي ظهرت عند القوى المسيحية بسبب سحب مشاريع تعود إلى مناطقهم بسبب طرح إقتراح قانون بتعديل قانون الانتخاب المعمول به والمسارعة إلى توحيد هذه القوى من معراب إلى ميرنا شالوحي والصيفي وصولاً إلى بنشعي لمنع عبور الاقتراح المذكور نحو الهيئة العامة بذريعة واهية انه يتعارض مع الميثاقية أولاً ثم فضلاً عن الضرر الذي يلحقه بالطائفة المسيحية التي خاضعت حرباً ضروساً حتى أقرّت القانون المعمول به حالياً بوصفه أعاد وبعد عقود الحق للمسيحيين في التمثيل النيابي وفي صحته.

وبالتوازي مع هذا التوتر الطائفي، إستمر التوتر تحت العنوان نفسه بين رئيس الحكومة السنِّي وبين التيار الوطني الحر الذي انفجر في مجلس النواب قبل يومين حيث اعتبر عضو تكتل «لبنان القوي» إبراهيم كنعان انه لا يُمكن للحكومة ان تتعاطى مع قراراتها بطريقة النعامة، فتدفن رأسها بالتراب، وتقر شيئاً ونقيضه في البرلمان وقال: «مشكلتنا بالأمس التناقض الكبير والفاضح الذي يضر بالمالية العامة إذ أننا امام اشغال بدأت منذ خمس سنوات وأكدت عليها قرارات مجلس الوزراء، وأوضح انه من اسخف وارخص ما قرأته تحويل الموضوع إلى طائفي وشعبوي من قِبل بعض السياسيين والإعلام، وهو كلام مُعيب وكفى استزلاماً ورخصاً بالاخلاق».

البعض رأى ان كلام النائب كنعان موجه إلى رئيس الحكومة ونواب كتلته التي جنحت إلى هذا التفسير وهذا بحد ذاته يُعزّز ما ذهبت إليه كل التعليقات التي تحدثت عمّا حصل في جلسة المجلس النيابي عن بدء انهيار ان لم يكن انهيار التسوية الرئاسية وأكثر من ذلك عن دخول لبنان مرحلة التوتر الطائفي التي لا تبقي ولا تذر في حال لم يتوقف هذا السجال الدائر حالياً وتحتكم كل الطوائف المسؤولين عنها إلى لغة التعقل والحكمة، خصوصاً ان لبنان يمر اقتصادياً ومالياً في مرحلة بالغة الدقة والخطورة في آن معاً.