لم يحُل الغبار الذي غلّف زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى فرنسا، فأسبغها بطابع القساوة لناحية الكلام العالي النبرة الذي سمعه من كبار المسؤولين، وتحديدا الرئيس ايمانويل ماكرون، ازاء عدم الجدية في تنفيذ التزامات مؤتمر سيدر والاصلاحات المطلوبة من لبنان لاطلاق اشارة ضوئه الاخضر، وقد تناولها بالتفصيل الموفد المكلف متابعة المؤتمر بيان دوكان في زيارته لبيروت اخيراً، دون الاضاءة على حجم الدعم والانجازات التي حققتها على المستويين السياسي والاقتصادي. ففي موازاة النصائح التي اسداها الفرنسيون لرئيس حكومة لبنان بوجوب تسريع الوتيرة الاصلاحية، وقد اسهب الحريري في هذا المجال في شرح الاصلاحات التي انجزتها حكومته حتى الساعة، ما انجز منها وما هو قيد الانجاز، تعويضا عن الوقت الضائع بفعل الخلافات السياسية التي علقت العمل على مدى شهر، تؤكد اوساط الوفد الذي رافق الرئيس الحريري لـ”المركزية” ان الزيارة حققت نتائج باهرة على المستوى العملي تتلخص بالاتي:
-جذب مستثمرين جدد للاستثمار في المشاريع المئتين وخمسين المقرر تنفيذها من ضمن سيدر في اطار البنى التحتية والانماء. فقد تمكن الحريري من خلال لقائه في مكتب وزير المال والاقتصاد الفرنسي مع رجال الاعمال ورؤساء الشركات من حمل هؤلاء على الانخراط في المشاريع عبر عرض مفصّل اضاء فيه على اهمية الاستثمار في هذه المشاريع المؤمن تمويلها من مساعدات سيدر البالغة 12 مليار دولار اضافة الى 5 مليارات قدمها البنك الدولي ومصارف الاستثمار العربية والاوروبية، ما يعادل 17 مليارا موزعة على ثماني سنوات.
– تمكن الحريري من اقناع الحكومة الفرنسية بمدّ لبنان بقرض قيمته 400 مليون يورو على مدى عشر سنوات بفائدة 2.3 في المئة مع 3 سنوات سماح، علما ان لبنان كان يقترض سابقا بفائدة 13 في المئة من دون فترة سماح. هذا القرض سيمكّن لبنان من تأمين الحماية والمواكبة الامنية الضرورية لكونسورتيوم شركات توتال وإيني ونوفاتيك الذي سيبدأ اعمال التنقيب الاستكشافية لحجم الثروة النفطية في تشرين الثاني المقبل. وتم الاتفاق على ان تزود باريس بيروت بثلاثة طرادات بحرية ومروحيات هليكوبتر ومعدات خاصة بحماية العملية، تبين ان مواصفاتها تتطابق مع التي وضعتها قيادة الجيش اللبناني للغاية، على ان يتسلمها قريبا.
– تحديد موعد رسمي لاطلاق سيدر عمليا في 15 تشرين الثاني، بما يدحض كل الشائعات التي تناولته مسوّقة عدم تنفيذه واعتباره شكليا لا اكثر، مستفيدة من التأخير الذي حصل في وضعه موضع التنفيذ بفعل الخلافات السياسية التي تحكمت بالبلاد على مدى اكثر من عشرة اشهر وحالت دون تشكيل الحكومة الى جانب العامل الخارجي المتمثل بالاتفاق مع الدول المانحة على كيفية الاشراف والمراقبة على حسن تنفيذ المشاريع. هذا الملف حضر في لقاء ماكرون- الحريري الذي ارسى الحل في شأنه من خلال تحديد آلية الرقابة والاشراف التي سيوجه على اساسها الرئيس الفرنسي الدعوة للهيئة الاستراتيجية لسيدر للاجتماع في 15 تشرين الثاني المقبل برئاسة الحريري لاطلاق “سيدر” رسميا.
وتشير اوساط الوفد الى ان الهيئة الاستراتيجية قد تلتئم كل ستة اشهر تقريبا في احدى عواصم الدول المانحة لاطلاعها على ما انجز، على ان يتم انشاء موقع الكتروني خاص بمؤتمر سيدر يتيح لمن يرغب الاطلاع على المعلومات كافة المتصلة بالمشاريع المنفذة بدقائقها وتفاصيلها.
وقبل “تقليعة” سيدر الموعودة تتوقع الاوساط ان يجول الرئيس الحريري على عدد من الدول من بينها الامارات مطلع الشهر المقبل ثم المانيا ودول اخرى.