كتبت هديل فرفور في صحيفة “الاخبار”:
بعد سنوات طويلة من تهرّب عدد من شركات التأمين من دفع التزاماتها تجاه حاملي بوالص التأمين الإلزامية على المركبات البرّية، وإلقاء كلفة استشفاء المصابين في حوادث السير على الجهات الضامنة الرسمية، قرّرت إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وقف تغطية هذه التكاليف، التي تُعد التزاماً على الشركات. خطوة كهذه من شأنها أن توفّر مبالغ طائلة على الصندوق كان يتحمّلها عن شركات راكمت أرباحاً عبر «خوّة» التأمين الإلزامي
في 25 أيلول الماضي، أصدرت مصلحة المراقبة الإدارية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعميماً يقضي بعدم توقيع الموافقات الاستشفائية الناتجة عن حوادث السير للمضمونين، إلّا بعد موافقة مصلحة القضايا في الصندوق. التعميم جاء استناداً إلى كتاب أعدّه رئيس مصلحة القضايا صادق علوية (21 آب 2019) لفت فيه إلى تهرّب عدد كبير من شركات التأمين التي تبيع بوالص التأمين الإلزامي من دفع كلفة استشفاء ضحايا حوادث السير، ما يضطر الصندوق إلى تحمّل هذه النفقات. يعني ذلك، عملياً، امتناع الصندوق عن تغطية تكاليف الاستشفاء والطبابة للمدنيين المضمونين الذين يتعرّضون لإصابات ناتجة عن حوادث السير قبل درس ملفاتهم والتأكّد من الأسباب التي تحول دون تغطية الشركات لهذه التكاليف.
ومعلوم أن المرسوم الاشتراعي 105 (30/6/1977) ينصّ على إلزامية عقد صاحب كل مركبة برّية ضماناً لدى هيئة ضمان مُرخّص لها بمزاولة أخطار المركبات لتغطية المسؤولية المدنية، التي يمكن أن تترتّب عن الأضرار الجسدية التي تُسبّبها مركبته للغير. وعليه، يدفع معظم أصحاب المركبات البرّية ما معدله 50 دولاراً سنوياً إلى شركات التأمين للحصول على البوليصة الإلزامية. ولكن، بسبب تهرّب عدد من الشركات من مسؤولياتها، تحوّلت هذه البوالص إلى مجرد «خوّة» تجبيها الشركات من دون أن تفي بالتزاماتها، ما كبّد «الضمان» أموالاً طائلة. ووفق مصادر مطلعة، فقد دفع الصندوق نحو ثلاثة مليارات ليرة في السنوات السبع الماضية لتغطية تكاليف استشفاء مضمونين تعرّضوا إلى حوادث سير، علماً أن هذه الأموال كان مفترضاً أن تدفعها شركات التأمين بموجب البوليصة الإلزامية المفروضة على المركبات البرّية (راجع «خوّة» التأمين الإلزامي: الشركات تقبض والضمان يدفع علوية أكّد، في اتصال مع «الأخبار»، أنّ من شأن هذه الخطوة أن توفّر مئات الملايين للضمان على الصندوق، لافتاً إلى ضرورة أن «يتحلّى المضمون المتضرر بالوعي لمساءلة شركات التأمين ومطالبتها بالالتزام بواجباتها». وشدّد على أن متابعة مصلحة القضايا لهذا الملف «أثبتت أن بإمكان كل الجهات الضامنة الرسمية (كوزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة وغيرهما) التي تعاني ما يعانيه الصندوق أن تحذو حذونا». إذ أن شركات التأمين راكمت أرباحاً طائلة على حساب هذه الجهات. علوية شدّد على أن هذه الإجراءات «تساعد قطاع التأمين الرائد في لبنان لتنظيف نفسه من الشركات التي تشوّه سمعته، وقد لمسنا لمس اليد أن عدداً من الشركات تبادر تلقائياً الى التغطية في حين أن البعض الآخر يتحايل على القانون».
وكانت لجنة مراقبة هيئات الضمان أصدرت في 22 آب الماضي بياناً لفتت فيه إلى أن مسؤولية التمويل الفوري لنفقات الطبابة والاستشفاء للمصابين بأضرار جسدية في حوادث السير تقع على عاتق شركات التأمين، «ولا يجوز لهذه الأخيرة، في أي حال من الأحوال، إحالة المصابين إلى وزارة الصحة أو إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو إلى جهات أخرى لتوفير التمويل».
ولكن، ماذا عن المضمونين الذين يتعرضون إلى إصابات من سيارات مجهولة؟ وفق علوية، فإنّ المرسوم الاشتراعي حدّد أن المسؤولية في هذه الحالات تكون على عاتق المؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي، «إلّا أن هذا الأمر لا يُطبّق حالياً»، مُشيراً إلى ضرورة إيجاد صيغة لتحمّل كلفة استشفاء تلك الإصابات. ولفت، في سياق آخر، الى «ضرورة استفاقة الدولة لتعديل العقد النموذجي لإلغاء استثناء الأصول والفروع من التغطية من البوليصة، إذ تجيز المادة 7 من المرسوم الاشتراعي 105 استثناء الأصول والفروع، ما يعني أنه إذا أصيب سائق وابنه في حادث سير، فإن الشركة تغطي السائق فقط»!