كتب فراس الشوفي في صحيفة “الاخبار”:
بات سلوك قائد اليونيفيل ستيفانو ديل كول لافتاً لجهة سيره على خطى الجنرال مايكل بيري، وإطلاقه مواقف سياسية حول «السلام». ويربط أكثر من معني بملفّ الجنوب، تحوّلات ديل كول، بقرب انتهاء مهمته في لبنان
لم تمرّ عمليّة صلحا وردّ المقاومة على الاعتداءات الإسرائيلية بقصف آلية للاحتلال، مرور الكرام عند قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل)، الجنرال الإيطالي ستيفانو ديل كول. إذ أن الجنرال، الذي لم يخفِ موقف القوات الدولية والأمم المتّحدة واعتبارها ما حصل «انتهاكاً خطيراً للقرار الدولي 1701» خلال لقاءاته الرسمية بالمسؤولين اللبنانيين، صار شغله الشاغل منذ أول أيلول الحالي، معرفة تفاصيل ما حصل وموقع إطلاق صاروخي المقاومة، وكيفية إدخالهما إلى جنوب الليطاني. ولأجل ذلك، لا يوفّر طريقة للحصول على المعلومات، بدءاً بالضغط على الجيش اللبناني لإنجاز تحقيق وافٍ يكشف تفاصيل ما حصل، وصولاً إلى إصرار القوات الدولية على إجراء كشف ميداني على مناطق واسعة من القطاع الغربي من الجنوب، مقابل مستعمرة «أفيفيم» في شمال فلسطين المحتلة.
بالطبع، كَشْفُ ما حصل بشكل دقيق ليس مطلباً دولياً فحسب. بل إن المطالبة بالمعلومات الكاملة جاءت على لسان رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي، خلال لقاء مع ديل كول، الذي انتقل إلى مقرّ قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب صبيحة اليوم التالي للعملية.
ليس سرّاً أن الإحتلال يحمّل مسؤولية «الخرق» لقائد القطاع الغربي في اليونيفيل، الجنرال الايطالي برونو بيشوتا، كون الموقع المفترض لانطلاق صواريخ المقاومة يقع ضمن نطاق عمله. وهذه السياسة هي سلوك إسرائيلي معتاد في الضغط على الضباط الدوليين لتقديم «أداء أفضل» لمصلحة إسرائيل، وتترافق دائماً مع تهديد وترغيب حول مساعدة الضابط المستهدف لتطوير مستقبله العسكري، أو إنهائه، عبر لوبيات الضغط في جيشه الأصلي أو في الأمم المتحدة. وهو ما يتردّد أنه يحصل مع بيشوتا مؤخّراً، الذي بات في المرحلة الأخيرة من خدمته، ومن المفترض أن يترك منصبه خلال فترة قصيرة.
هذا «الحرص» من ديل كول، بات لافتاً عند كثيرين من متابعي ملف القوات الدولية في لبنان. خصوصاً، إذا أضيف إلى مجموعة من الإشارات التي عبّر عنها القائد الإيطالي، منذ حادثة الأنفاق التي ادّعت إسرائيل كشفها عند الحدود. وعندها «حَرِدَ» ديل كول من الجيش ولبنان، بسبب عدم تمكنّه من تفقّد النفق المزعوم عن كثب، فباتت مواقفه أقرب إلى مواقف إسرائيل منها إلى الموضوعية في بعض مسائل الحدود، «جكارة» بالجيش!
وأخيراً، بات ديل كول يترك انطباعاً أنه يسير على خطى القائد السابق للقوات الإيرلندي مايكل بيري، الذي وصل به الأمر إلى طرح «نظرية» ليست من اختصاصه، عندما دعا إلى أن «يعيش أبناء الجيشين (اللبناني والإسرائيلي) بسلام». ففي الاجتماع الثلاثي ما قبل الأخير في الناقورة بتاريخ 8 آب الماضي (عقد اجتماع ثلاثي أمس)، عبّر ديل كول عن طرح أقلّ وضوحاً من طرح بيري، بدعوته إلى «بناء السلام»، في تجاوز لدوره كقائد عسكري للقوات الدولية، وليس سفيراً للأمم المتحدة في لبنان. لكن ينسى ديل كول، أن القرار 1701 صدر في العام 2006، وحتى الآن لم يتمّ التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، بل الإبقاء على «وقف الأعمال العدائية»، وأن أي طرح للسلام هو طرح سياسي بامتياز لا يناقش في اجتماع عسكري ثلاثي، مهمته محصورة ومحددة في المسائل التكتيكية الحدودية. كما نسيَ أن الأمم المتحدة، والقوات الدولية ومعهما عشرات الدول، لم تستطع إجبار إسرائيل على الانسحاب من النقاط اللبنانية المحتلة، على الأقل تلك المذكورة في القرار 1701!
ولكي يزيد الطّين بلّة، طلب الجانب اللبناني من القوات الدولية قبل أيام إزالة كاميرا ثبّتها العدو الإسرائيلي على مدخل نفق القطار المهجور في بقعة الـ B1 في رأس الناقورة، والذي يقع داخل الأراضي اللبنانية. إلا أن الكاميرا لا تزال مثبتة مكانها، في خرق واضح للقرار الدولي 1701، فيما لم يتمكّن الجيش منذ سنوات من وضع نقطة عسكرية ثابتة على مدخل النفق من الجانب اللبناني نظراً للرفض الإسرائيلي، ولا يحرّك ديل كول ساكناً.
ملفٌّ آخر تحرّك فوراً بعد صدور قرار التجديد للقوات الدولية من الأمم المتحدة، نهاية آب الماضي، هو ملفّ حادثة مجدل زون والاشتباك بالعصي والحجارة الذي حصل بين أهالي البلدة ودورية من القوة السلوفينية، والتي وردت أيضاً في الإحاطة التي قدمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام مجلس الأمن حول مهمة اليونيفيل. إذ تمارس القوات الدولية الضغوط للحصول على معلومات عن الأهالي الذين حصل الاشباك معهم وتوقيفهم، في وقت تمّ تسريب فيديو للحادثة إلى محطة «فوكس نيوز» الأميركية، وقيام القوات الدولية بتحليل صور وفيديوهات لتحديد مواصفات من تسميهم «منفذي الهجوم» لتحديد هوياتهم.
من هنا، يستنتج أكثر من معني بملفّ الحدود، أن ديل كول يحسب حساب مرحلة ما بعد تركه منصبه في لبنان في الربيع المقبل، طمعاً بدعم إسرائيلي لتطوير مستقبله العسكري، مستفيداً من أي «حنق» لبناني عليه، إعلامياً وفي الأوساط الدبلوماسية.
من جهته، ينفي الناطق الرسمي باسم القوات الدولية أندريا تيننتي في اتصال مع «الأخبار» أن تكون القوات الدولية تمارس أي ضغط على الجيش اللبناني، وأكّد أن «ما حصل هو خرق للقرار 1701، وكان من الممكن أن تحصل تطورات كبيرة، لكن مرّ الأمر ولم يسقط ضحايا». وأضاف أنه «عندما يحصل مثل هذا الخرق، نطلق تحقيقاً بالتنسيق مع الجيش، ونسعى لمعرفة التفاصيل». وأشار تيننتي إلى أنه «تفقدنا أجزاء من المنطقة المشتبه بانطلاق الصواريخ منها، ونعمل مع الجيش باستمرار، ونتوقع أن نصل إلى دخول كامل للمنطقة، والتحقيق يأخذ مجراه، لكن هناك عقبات بسبب وجود بعض المناطق الخاصة في المحيط»، مكرّراً أنه «ليس هناك أي ضغط، لكننا نعمل جميعاً بجهد لنعرف ما حصل وبسرعة».