Site icon IMLebanon

عمل الوالدين ودروس الطفل

كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

 

رجع التلامذة إلى مقاعدهم الدراسية، ورجع همّ الأهل يلقي بثقله بعد ظهر كل يوم، حيث ينتظر كل صغير مساعدة أبيه أو أمه في فروضه… ولكنّ المشكلة هي عندما يعمل الوالدان خارج البيت، حيث لا يجد التلميذ الصغير المساعدة أو المساندة المطلوبة لإنجاز دروسه أو حفظها. فكيف يمكن للوالدين مساعدة ولدهما؟ وهل يمكن أن تقوم الأم بخطة تربوية، تساعده في دروسه خلال غيابها؟ وما هو دور الأب في هذا الخصوص؟
هناك سبب مباشر يمكن أن يكون وراء غياب الوالدين عن البيت وهو العمل. فعلى رغم من أنّ الأب يغيب في بعض الأحيان عن منزله بسبب عملٍ أو سفرٍ… ولكن تلعب الأم في هذه الحال نوعاً من التعويض عن غياب الأب، على رغم من أنّ هذا التعويض يقتصر على بعض المهام التي يمكن أن تقوم بها، بدل الأب والعكس صحيح.

ولأسباب معيّنة، تغيب الأم عن البيت، فيحاول الأب أن يقوم ببعض مهامها. ولكن المهم معرفته، بأنه لا يمكن للأم أن تلعب دور الأب بشكل كامل ولا يمكن للأب أن يكون هو «الأم». وماذا لو كان الأب والأم غائبين عن البيت بسبب العمل؟! طبعاً سيتأثر الطفل بشكل مباشر خاصة الصغار، عندما لا يجدون أهلهم بقربهم. ولكنّ بعض الظروف (خاصة الإقتصادية) تدفع كلا الوالدين للعمل. ماذا عن غياب الوالدين في فترة بعد الظهر، أي بعد رجوع التلميذ من مدرسته وهو بحاجة ماسة إليهما، لمساعدته في دروسه؟

عمل الوالدين، ضرورة… ولكن!

لم تعد الأسرة بشكل عام، كما كانت في العصر السابق. فأصبح عمل الأب والأم على السواء مهماً جداً في مجتمعاتنا. ورغم الإيجابيات لعمل الوالدين خارج البيت، منها مساندة المرأة لزوجها، تأمين كل حاجيات العائلة، الشعور بالتوازن الجندري ما بين الأم والأب… ولكن لا يمكننا أن ننسى أنّ بعض دوامات العمل طويلة، وتبعد الأم والأب عن طفلهما الذي لا ينتظر منهما المال الإضافي، بل الحب غير المشروط.

فهناك الكثير من السلبيات لغياب الأب والأم لفترات طويلة عن المنزل خاصةً عند صغر سن الأطفال.

فطبعاً من المعروف أنّ الطفل ليس فقط بحاجة للرعاية الإجتماعية والرعاية الطبية وتأمين حاجياته من ملبس ومأكل ومشرب… ولكن الأهم هو الرعاية النفسية التي تساعده على تكوين شخصيته، ناهيك عن اكتساب الخبرات والمهارات وتقويم السلوك وكل التعاليم والملاحظات التي سيتعلّمها الطفل ليصبح قدوة حسنة بفضل والدته ووالده الموجودين بقربه.

ومن أهم أدوار الأب والأم تعليم الطفل المهارات الإجتماعية ومرافقته في نموّه المعرفي ومساندته في دروسه وفروضه ومساعدته في حفظ ما يتوجّب عليه.

دور الأب والأم… العاملين

للأب والأم العاملين خارج البيت أدوار أساسية في تربية ومتابعة أطفالهم في المدرسة. لذا العلاقة المتينة والمميّزة مع الأساتذة في المدرسة أساسية لمواكبة تطور طفلهم المعرفي والتربوي. كما يعتبر أنّ دور الأب والأم اساسي في التكوين النفسي للطفل. فالإهتمام المباشر هو من حاجات الطفل: كالإهتمام بطعامه وشرابه وحسن الاستماع له ومعرفة حاجياته واكتشاف قلقه وخوفه.

ومن الأدوار المهمة غرس الثقة بالنفس عند الطفل والصفات الحميدة. ويمكن للوالدين أن يدرّبا طفلهما منذ صغره على الإستقلالية.

كما لا يمكن التكلم على دور الوالدين دون ذكر أهمية التوجيه والإرشاد. فالأم هي التي تعلم قواعد التنشئة الأولى للطفل وتوفر له الجوَّ العاطفي. أما الأب فيلعب دوراً أساسيّاً في التربية وفي النظام.

وهناك قاعدة ذهبية لدور الأهل العاملين وهي المواساة، خاصةً عندما يكون الطفل حزيناً أو قلقاً من شيء ما. فيجب أن يكون الأب والأم قريبين منه وعليهما التعويض عن فترات الإبتعاد عنه (في فترة بعد الظهر). وأخيراً وليس آخراً، اللعب… ثم اللعب… ثم اللعب، من أحلى الطرق للتعويض عن الغياب، حيث يشارك به الوالد والوالدة على حدٍّ سواء. فطبعاً إعطاءُ الطفل الوقت للعب يعلّمه الكثير من الخصائص الإجتماعية منها الانضباط والأدب.

كيفية التعويض … الحل!

المشكلة هي غياب الأب والأم بسبب العمل في فترة بعد الظهر عن طفلهما الذي هو بأشدّ الحاجة للمساعدة في دروسه. لذا هناك بعض النقاط التي يمكن أن يطبّقها الوالدان للتخفيف من وطأة هذا الغياب:

أولاً، التعويض العاطفي من خلال تسلية الطفل وطرح الأسئلة عنه وعن مدرسته وما الذي تعلّمه في المدرسة، وإذا كان مزعوجاً من شيء ما… هذا الدور يجب أن يقوم به الأب والأم على حدٍّ سواء.

ثانياً، على الأم أن تلعب دورها من خلال تحضير له الطعام أو مساعدته في الإستحمام (إذا ما زال صغيراً) وقراءة له قصة ممتعة قبل النوم وأن لا تعتمد على المربّية بقدر الإمكان. أما الأب فهو الحامي والقوي في نظر طفله، فيجب أن يكون بقربه وأن يجعله يشعر بالأمان.

ثالثاً، أن تقوم الأم بتخطيط أسبوعي لدروس طفلها. وهذا التخطيط يجرى بموافقة الطفل. ويعني ذلك، أن تطلب منه أن يُنهي لوحده (خلال غيابها أو غياب الأب) الدروس التي تتطلب الحفظ، كالتاريخ والجغرافيا أو الشعر… وعند رجوع الأب أو الأم من العمل، يمكنهما مساعدته في الدروس الأخرى.

رابعاً، ينبغي على الوالدين الحرص على عدم تأثير مشاكل عملهما على اهتمامهما بطفلهما الذي ينتظر منهما أوقات تسلية وفرحاً وعاطفة.

خامساً، أن يتم الإتفاق بين الوالدين، أن يكون واحد منهما حاضراً مرة أسبوعياً في البيت، عند وصول الطفل إلى منزله.

سادساً، طلب المساعدة من أخصائيّين نفسيّين في المدرسة، وكيفية تقسيم وقت الدرس من خلال برنامج منظم يمكن أن تساعد به مربية الصف.

سابعاً، في نهاية كل أسبوع، على الأم والأب تعويض كل الأوقات البعيدة عن الطفل من خلال نشاطات تقوّي العلاقات بينهما وبين الطفل.