IMLebanon

إم الصبي مش أهم من إم البنت

كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:

 

رُزقت أم طوني بصبيٍّ بعد أربع فتيات، فكان الولد الخامس: «كنت إستحي كلما ولدت وطلعت بنت، وجوزي كان يزعل مني كذا يوم بعد كل مرة، ويقلّي أبو شو بدن يعيطولي؟ مين بدو يحمل إسمي؟ شو ناقصني؟ بس أنا كإم شو في بإيدي، الحمدالله رجع إجا طوني، وصرنا إم طوني وأبو طوني، وصاروا الكل يحترموني أكتر، وصرت حاسي حالي أقوى».
نعيش في مجتمع شرقي، ذكوري بامتياز، على رغم من السعي والجهود لإحداث تغيير على صعيد التمييز بين الجنسين، حيث تنجح المساعي أحياناً بتغيير بعض القوانين والعادات السائدة، فأصبحت البنت ترث مثل الصبي في بعض المجتمعات، كما وصلت إلى مراكز مهمة في الحياة على الصعيد السياسي والإجتماعي والتعليمي.

كما نلاحظ أحياناً اضمحلالاً لمظاهر تفوّق الرجل على المرأة في المنزل الزوجي، فنراه يساعدها في الإهتمام بالأطفال ورعايتهم، وكذلك بالأمور المنزلية؛ لكننا نحتاج لمئات السنين لتغيير الذهنية الحالية والوصول فعلاً إلى المساواة بين الجنسين في الحقوق والفرص، والأهم هو بلوغ ذلك وتقبّله نفسياً من قبل الطرفين، وتخطّي نظرة المجتمع إلى حاملي التغيير الفعلي على مستوى الجندرية.

في حين صبّ أم وأبو طوني كل اهتمامهما وحبهما عليه، مبتعدين عن الأربع فتيات، ما أشعره بأنه الأهم، ليس فقط بين أخواته، بل بين جميع الناس، وما طبعه برغبة دائمة بالفوقية والسيطرة، وأشعَره بأنه يتفوّق على الجميع، في كل الإختصاصات والتوجّهات، ما يعيد في كل لحظة من حياته طريقة تعاطي الوالدين معه منذ الولادة.

في منطقة ليست ببعيدة، تعيش سليمة، شقيقة أم طوني، وزوجها يوسف اللذان مذ رُزقا بابنتهما الأولى، أبيا إلّا أن يناديهما الناس بإم سيدي وأبو سيدي؛ وكان يوسف يردّد دائماً: «كل بنت من بناتي بتساوي ميّة صبي».

لا زلنا نشعر بالتميز عندما يبلّغنا الطبيب بأنّ المرأة حامل بصبي، ونذبل قليلاً عندما نعرف العكس، على رغم من أننا نتظاهر بإخفاء حقيقة الأمور، إلّا أنّ ذلك طبيعي، فنحن عالقون بالموروث عن أجدادنا وآبائنا باللاوعي، وكي يتغيّر ذلك نحتاج للوعي الفعلي لتساوي الجنسين بالحقوق والواجبات، وتقبّل ذلك.

نصادف جمعيات ومجموعات نسوية عدة، تسعى إلى المساواة بين الرجل والمرأة، تاركة وراءها الخصائص التي يتميّز بها كل منهما، فأنوثة المرأة لا تجعل منها عنصراً ضعيفاً في المجتمع، بل تزيدها قوةً وتميّزاً وتفوّقاً. هي التي تحمل الجنين في أحشائها وتلده وتُرضعه؛ هي التي تزرع التعاطف والحب واللين في الحياة. تشتّ بعض الجمعيات عن الطبيعة التي تميّز المرأة عن الرجل، وتنكر الفارق الجسدي بين الجنسين، فنرى سيدات ساعيات للخشونة والرجولة، ناسيات أنّ ما يحتجنه فعلياً هو المساواة بالحقوق وليس مظاهر الرجولة؛ فالرجل والمرأة لا يتنافسان بل يكمل كل منهما الآخر باختلاف بنّاء وجاذب بينهما.

نعم، تحتاج المرأة إلى قوة الرجل الجسدية، ويحتاج هو إلى حنانها وعطفها وقدرتها على التحمّل. الرجل ليس عدوَّ المرأة، هو والدها وشقيقها وزوجها وحبيبها وابنها وزميلها، فلماذا نضيع البوصلة على طريق البحث عن التقدّم والحقوق، فندخل بصراعات ونزاعات في غير محلّها، ونتأخّر في الوصول إلى أهدافنا؟

عندما نميّز ولدنا ونتعاطى معه باعتباره أهم من إخوته، نحضّره للتعاطي مع العالم بهذه الذهنية، فنبعده بذلك من الموضوعية، ونقرّبه إلى الغرور والإعتداد بالنفس، ونُفقده القدرة على التعاطي بمرونة مع الأحداث، ويصاب بالصدمة تلو الأخرى؛ وينعكس ذلك فشلاً في العلاقات العائلية والإجتماعية، إذ ينتظر من الجميع أن ينظروا إليه نظرة الأب والأم.

أما الأخوات اللواتي عانين من تمييز الأخوة في البيت الوالدي، فإما هن يشعرن بالضعف والخضوع لمشيئة الذكر، أيّاً كان، أو أنهن يدخلن بصراعات مع الرجال في الحياة المستقبلية، محاولين التفوّق وتحقيق الذات، وكأنّ كل رجل في هذه الحياة يمثل شقيقاً لهنّ.

ولا نستطيع أن ننكر التطور والتقدم الذي أحرزته المرأة في المجتمع على صعيد التعلم واحتلال المراكز الإجتماعية والسياسية، وأنها تنافس الرجل في مجالات عدة، إلّا أننا لا بد أن نذكّرها بأنّ هذا الشريك يتعاطى معها بالطريقة التي تربّى عليها، ويحتاجان معاً للوعي والإدراك للتقدم معاً، مع الحفاظ على الشراكة بينهما وليس تدمير أحدهما للآخر.