فيما تمر المنطقة بمنعطف مفصلي يهدد بتفجّيرها في اي لحظة قد تلتقي فيها مصالح اللاعبين الكبار، يستمر التوتر متسيدًا المشهد اللبناني مع استمرار منسوب انعدام الثقة بين الأفرقاء السياسيين والشعب في منحاه التصاعدي، وسط توجس متزايد من انعكاسات وتداعيات الغليان الإقليمي على مآل الأوضاع اللبنانية. هذا التوتر مرجح ان يتفاقم في الايام المقبلة فيما لو لم تُظهر السلطة جدية بالغة في معالجة الازمات، خصوصا ان الاستحقاقات المقبلة السياسي منها والاقتصادي لا يستهان بحجمه. من تصنيف “ستاندراند أند بورز” بعد اقل من خمسة اشهر الى قرار المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري المرتقب صدوره خلال اشهر قليلة الى التضييق الدولي على “حزب الله” الذي يكاد يكون الاكثر خطورة فيما لو قرر الحزب ومن معه الانتقال من مربع المتلقي الى موقع رد الفعل والمواجهة، وسط معلومات تتردد عن خريطة مواجهة اعدها للغاية من شأنها ان تضع الدولة برمتها في خندق “مقاومة” الخارج.
هذه الاستحقاقات، تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، إنها شكّلت نواة مبادرة ما زالت خلف الكواليس تهدف الى اعادة لمّ شمل القوى السياسية السيادية التي تلتقي في الخلفيات والاهداف الاستراتيجية وتبتعد في التكتيك اليومي لمواجهة التحديات التي اثبتت التجربة اللبنانية ان التغلب عليها لم يكن ممكنا إلا برص الصف ووحدة الموقف، وسيناريو 14 آذار الذي أخرج الجيش السوري من لبنان مدعوما بعوامل خارجية خير دليل.
الشرخ الذي كرسته تسوية 2016 بين القوى السيادية يُفترض تجاوزه، بحسب المصادر، وصولا الى مساحة مشتركة تكفل لكل فريق حقه في التعبير والتفكير ومقاربة الحلول وترك الحكم على الممارسات والخيارات السياسية للشعب والتاريخ، اذ لا يجوز بعد اربع سنوات على التسوية ان تبقى القوى السيادية منزوية في مربعاتها ومتقوقعة خلف معتقداتها وآرائها فيما البلاد تكاد تخسر مكتسبات دُفع لأجلها دم وخاضت هذه القوى نضالا شرسا لتحصيلها. فإذا كان الالتقاء على التسوية في ظروفها آنذاك متعذرا، الاجدى وضعها كما اي موضوع خلافي جانبا والانتقال الى تنظيم الخلاف من خلال النظر اولا الى النصف الملآن من الكوب حيث لا بد من مساحة مشتركة بين من يلتقون استراتيجيا لمواجهة التحدي المتعاظم والمنذر بحقبة لن تكون سهلة مقبلة على البلاد في زمن غير بعيد.
وتضيف المصادر: “مخطئ من يعتقد ان اي فريق سياسي، مهما علا شأنه، قادر على تحقيق الانجازات المتصلة بالملف الاستراتيجي، خصوصا اذا كان بحجم مواجهة “حزب الله” او استمرار فرض التوازن السيادي. فالتكامل في النظرة وفي رسم خريطة لطبيعة المواجهة الواجب خوضها يفترض ان تجمع حولها كل القوى التي تتشارك الرؤية السياسية للبلاد، بعيدا من مصطلحات التخوين وتعابير الاستسلام، وهو ما تم الاتفاق عليه بين بعض هذه القوى على امل توسع مروحة الاتصالات لتشملها جميعا”.
وإذ تؤكد المصادر أن “الاتصالات بدأت بين من لم ينقطع اساسا حبل التواصل بينهم من قوى سيادية واستمر ولو عن بعد”، تشير الى “أكثر من لقاء عقد في هذا الاطار بحثا عن القواسم المشتركة على ان تليه سلسلة لقاءات توازيا مع استكمال الاتصالات لضم اوسع شريحة تتطلبها طبيعة المواجهة، بمعزل عن الموقع السياسي لكل فريق ومواقفه من الحكم”.
غير ان المصادر تجزم بأن “المسعى المشار اليه ينطلق من قاعدة المبدأ السياسي لا الملفات المطروحة، خصوصا ان الامور بلغت لحظة تحتّم الالتقاء والتفاهم، من دون ان يعني ذلك اعادة الانضواء في معسكر واحد مقابل آخر من الطرف المناهض، فالوحدة مطلوبة بين مناصري الدولة لا الدويلة من دون اعادة مشهد الانقسام العمودي بين اللبنانيين”.