كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:
القانون 462 لتنظيم قطاع الكهرباء مناقض للدستور! نعم، هذا ما يعتبره “البعض”رغم انقضاء زمن طويل على صدوره وتهرب الوزراء المتعاقبين من تطبيقه. فما هي وجهة نظر هؤلاء لناحية انقلابهم الصامت والمتأخر على القانون؟ وان كان الـ”462” غير دستوري فكيف صوّت المجلس النيابي على قانون مخالف للدستور؟ ولماذا اصبح مخالفاً بعد العام 2010؟ وإذا كان “سيدر” خشبة خلاص الاقتصاد الاخيرة، واذا كانت الهيئة الناظمة للكهرباء المفتاح “الأوحد” لأموال خزنة “سيدر” المنتظرة، فلماذا المماطلة المفتعلة أحياناً والمتعمّدة احياناً أخرى؟
تزداد تفسيرات الصلاحيات الدستورية وممارساتها سوءاً سنة تلو الأخرى، لدرجة ربما بات من الضروري وضع حدّ لاستهتار بعض الوزراء بتطبيق القوانين واستئثارهم بالسلطة وإلزامهم بتطبيق احكام هذه القوانين بمجرد نفاذها وضمن المهل المحددة لها، بدلاً من الإمعان في إضاعة الوقت والفرص بحجة تفسيرات وتأويلات واهية لا ترتكز إلى أي أساس دستوري أو قانوني. الدستور واضح وهو لا يقبل الاستنساب والقوانين تصبح نافذة فور نشرها في الجريدة الرسمية. لكن ذلك لا ينطبق على “عصفورية” القوانين، حيث تختلف حجج الوزراء وتتكاثر، خصوصاً عندما يصبح الامر منوطاً بتعيين أعضاء الهيئة الناظمة للكهرباء. فبحسب “دهاليز” وزارة الطاقة تعتبر الهيئة الناظمة مخالفة للدستور لكونها تقضم جزءاً كبيراً من صلاحيات الوزير.
ولكن، واذا سلمنا جدلاً بهذه النظرية “العوجاء”، هل تكون القوانين المقرة والتي تُلزم تعيين الهيئة مخالفة للدستور؟
تمهيداً للإجابة عن هذا التساؤل، دعونا نتطرق الى كيفية انشاء الوزارات والتنظيم الإداري وتوزّع الصلاحيات بموازاة المسؤوليات: أوليس بقوانين تحدد اختصاصها وأطر أعمالها ونطاق صلاحياتها؟ وان كان القانون يحدد صلاحيات المواقع الإدارية على مختلف مستوياتها، فلا بد لقوانين أخرى ان تصدر لتعديل هذه الصلاحيات ونقلها إلى مواقع أخرى مرتبطة بالمسؤولية عن نتائج ممارستها وما يمكن أن ينتج عنها من إضرار بالمصلحة العامة والمصلحة العليا للدولة التي تشكل الهدف الأساسي والبنيوي لأي قانون.
تنطلق نظرية الاعتراض على صلاحيات الهيئة الناظمة للكهرباء من اعتبار “الوزير” سيّد وزارته، وذلك يعني انه حرّ ان يفعل ما يشاء. هذا التفسير مبني على تفسير خاطئ للمادة 66 من الدستور والتي تولي الوزير صلاحية “إدارة مصالح الدولة ولكن تحت سقف الانظمة والقوانين” التي تنيط بالوزير تطبيق المادة عينها وتلزمه تطبيق القوانين النافذة.
يندرج عمل الهيئات الناظمة ضمن سياق اختصاصي تقني أكثر منه اداري- سياسي. لذا فان الحاجة الى الهيئات الناظمة تكون من منطلق ضرورة وجود “شخصية” مستقلة تتمتع بصفة الاستمرارية، وتضمن الاستقرار في التطبيق وإمكانية التطوير بحسب مستجدات الخبرات الدولية والتطور التكنولوجي، بغض النظر عن تغير الوزراء واختلاف توجهاتهم طالما التوجهات الحكومية على حالها، أكان ذلك في قطاع الاتصالات أم النفايات أم الطيران المدني أم الكهرباء أم النفط.
عن الموضوع يرى عضو كتلة التنمية والتحرير ياسين جابر “ان القوانين وُضعت لتُنفّذ. ما يجري منذ فترة هو تفسير خاطئ للمادة 66 من الدستور والتي تنصّ على ان الوزير هو رأس السلطة في وزارته. ذلك يعني ان مسؤوليته تندرج ضمن اطار السهر على تنفيذ القوانين المرعية الاجراء بدلاً من الالتفاف عليها لتحقيق مكاسب شخصية. اما المادة 65 فتُلزم الحكومة تطبيق القوانين النافذة. ما يحصل في ما خص تأجيل تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء بحجة عدم دستوريتها ليس الا هرطقة دستورية، فغاية كل من يعرقل تعيين هذه الهيئة تصب في خانة تحويلها من هيئة تقريرية الى استشارية غير مُلزمة”.
الهيئة الناظمة دستورية… ولكن!
من جهته يعتبر رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية، المرجع القانوني بول مرقص انه “واستناداً للمادة 7 من قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462، تولّت الهيئة الناظمة تنظيم شؤون الكهرباء. وتكون الهيئة شخصية معنوية تتمتع بالاستقلالية الفنية والإدارية والمالية ولذلك فهي لا تخضع، بحسب القانون لنظام المؤسسات العامة” (المرسوم 4517 تاريخ 13/12/1972).
وتحدّد المادة 6 من القانون 462 “صلاحيات الهيئة التي لا تقل شأناً عن صلاحيات الوزير. فقد أعطاها القانون صلاحيات واسعة تبدأ بإعداد دراسات المخطط التوجيهي العام للقطاع ولا تنتهي عند الإنتاج والنقل والتوزيع، وإعداد مشاريع المراسيم والأنظمة وتشجيع الاستثمار في القطاع وتأمين المنافسة، بالإضافة الى تحديد أسعار خدمات الإنتاج والتعرفة ومراقبة جودة هذه الخدمات، وصولاً الى إصدار وتجديد وتعليق وإلغاء التراخيص والاذونات”.
ويضيف مرقص “بعد العام 2002، صدر القانون 181/2011 ونص في مادته الأولى الفقرة 7 على تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة وعدد من الوزراء المختصين لاقتراح تعديل القانون 462 خلال مهلة أقصاها 3 اشهر، والدفع باتجاه تشكيل هيئة تنظيم القطاع”.
ويقول مرقص “طالما كان هناك فترة زمنية محددة، لتعديل القانون السابق وتعيين أعضاء الهيئة، وبما ان هذه المدة قد انقضت، يعتبر القانون 462 نافذاً وبالتالي فإن موجب تشكيل الهيئة قائم.
أما الاستناد الى المادة 66 من الدستور لتبرير عدم تشكيل الهيئة فليس الا وجهة نظر. ولو اعتبر القانون 462 غير دستوري، فانه اصبح نافذاً حكماً لتخطي مهلة الطعن امام المجلس الدستوري. من هذا المنطلق الحديث عن دستورية القانون او عدمها ليس الا وجهة نظر. فطالما لم يتم الطعن امام المجلس الدستوري بات غير قابل للطعن وواجب التطبيق”.
وزارة الطاقة تحتكر “الطاقات”
“تعتبر حياة الوزارات في لبنان قصيرة. فمنذ الاستقلال حتى اليوم شهدنا على تشكيل 75 حكومة، أي أن متوسط عمر الحكومة يناهز السنة، مع تفاوت في استمرار النهج نفسه في وزارة معينة كما هي حال وزارة المالية في عهد الوزير السنيورة والوزراء من ذات النهج أو وزارة الطاقة المستمرة خاضعة لنهج الاصلاح والتغيير اقله منذ العام 2010 وحتى اليوم. من هنا كانت فكرة الهيئات الناظمة وهي كيان مستقل يولّى تطبيق الاستراتيجيات وتأمين الانسجام وعدم إضاعة الوقت بالمناكفات السياسية. يرتبط تشكيل الهيئة الناظمة حتى الساعة بإنجاز التعديلات على القانون 462/2002 وذلك لأخذ هذا القطاع الحيوي باتجاه ابتلاع المؤسسة وتسليمها للقطاع الخاص على طريقة أصحاب القرار ووفقاً لما يتماشى مع مصالحهم”، يقول الخبير بشؤون الكهرباء غسان بيضون.
من وجهة نظر بيضــــون،”تنطلق معارضة وزراء ما بعد الطائف المتعاقبين على تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء من مبدأ انه لا يجوز ان تشكل لجنة تقضم من صلاحيات الوزير او تتخذ قرارات لا يمكن للوزارة السيطرة عليها. إن هذه الفلسفة السائدة منذ العام 2010 خطيرة وهي بمثابة انقلاب على البنية التنظيمية والأسس والقواعد المتوازنة التي بنيت عليها الإدارة اللبنانية. وهذا يوازي انقلاباً، لا بل اجتياحاً للدستور وللقوانين ولدولة القانون. فبدون الهيئة سيبقى القطاع تحت وطأة تنازع دائم على الصلاحيات، خصوصاً وأن “حرية” الوزير تنسف دور مجالس الإدارة والمؤسسات العليا والمواقع القيادية في الإدارة”.
لا يثق البنك الدولي، ولا وكالات التصنيف العالمية، ولا المجتمع الدولي الممثل بالامم المتحدة من جهة ومن جهة ثانية بالدول المانحة في “سيدر” بقطاعات إنتاجية يديرها “سياسيون”. وهذا الامر اصبح واضحاً ولا لبس فيه. من هنا اصبح الإصرار الدولي على تشكيل الهيئة اكثر الحاحاً؛ فالهيئات الناظمة مؤلفة من متخصصين في القطاع. الى ذلك فان القرارات التي تُتّخذ تكون مشتركة وليست فردية او أحادية على خلاف القرارات التي يتخذها الوزير منفرداً. من هنا تعتبر هذه الهيئات ضمانة لناحية صوابية القرارات المتخذة وضمانة لحسن سير المرافق الخدماتية وعدم تسييسها، فتكون صمام أمان المؤسسات الخدماتية لا سيما في القطاعات الانتاجية كما هي الحال في الدول الاوروبية.
بدوره يشير المهندس محمد بصبوص الى ان “صلاحية الهيئة تحل محل دور الوزير لناحية اطلاق المناقصات ومراقبة تنفيذ المشاريع. القانون 462 جازم وواضح وقد أكد ضرورة وجود هيئة ناظمة ترعى اعمال قطاع الكهرباء. القانون نافذ طالما لم يتم تعديله وفق المهل القانونية. وان كان لجهة ما ملاحظات على القانون فهذا لا يعني وقف تطبيقه بل تعديله، خصوصاً وان المعضلة الشائكة اليوم هي تلزيم معامل الإنتاج تحت لواء الشراكة بين القطاعين وهو ما يصب ضمن دور الهيئة الناظمة. لا يمكن الاستمرار بعدم تطبيق القوانين. إذاً فلتشكل الهيئة. لماذا تذكروا الآن ان القانون فيه شوائب، ولماذا لم يعدل قبل اليوم؟
يتمحور الحديث حالياً حول موضوعين أولهما ان كانت هناك فترة معينة لتعيين مجلس الإدارة والهيئة وهذه الفترة قد مضى عليها الزمن. المسألة الثانية هي إصرار البنك الدولي والمانحين على ضرورة وجود الهيئة لتأمين الشفافية في ما خص التلزيم وإدارة المحطات، وهذا ما أكده دوكان خلال زيارته”.
بعد دخول نظرية الخصخصة وفلسفتها حيز الواقع، خلال الثمانينات في العالم وبداية التسعينات في لبنان، اصبحت الهيئات الناظمة حاجة ملحة، ولعل النهج الذي عطل المرافق العامة، ولا يزال يعيقها ويستنزفها هو تلك السلطة المزعومة التي يدعيها وزراء ما بعد الطائف والتي كلفت الخزينة العامة المليارات وأسَرت المالية العامة في واقع العجز المتفاقم ورهنت إرادة الدولة وسمحت بخرق سيادتها. لكن في دولة اللامركزية قد يبدو طبيعيا اتباع النهج الذي كان معتمدا في فرنسا خلال القرن التاسع عشر اي في عهد الجمهورية الثالثة لناحية “تعمّد” الوزراء “نسف” الهيئات الناظمة لئلا يتحولوا الى وزراء وصاية وتتقيّد صلاحياتهم . من هنا، يبدو مرجّحاً ان تبقى الهيئة الناظمة للكهرباء نائمة بين ادراج وزيرة الطاقة ندى البستاني وشركائها في السلطة.