كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الاوسط”:
تفاقمت أزمة الدولار في لبنان لتبدأ تداعياتها تنعكس على قطاعات عدّة، كان أبرزها المحروقات، إذ أعادت طوابير السيارات أمام المحطات إلى الأذهان مشهد الحرب، فيما استمر الحديث عن دور مافيات لتهريب الدولار إلى سوريا لدعم النظام الذي يعاني من العقوبات الأميركية.
وتسابق اللبنانيون على محطات الوقود، مساء أول من أمس، إثر إعلان نقابة أصحاب محطات المحروقات عن إضراب مفتوح بسبب عدم تجاوب الحكومة مع مطالبهم لتوفير ما يحتاجونه من الدولار من المصارف واضطرارهم للجوء إلى السوق السوداء، لتعود وتعلن عن تعليقه ظهر أمس والتوصل إلى حل مع رئيس الحكومة.
والتقى ممثلون عن قطاع المحروقات الحريري بعد الظهر، وأعلن الوفد أنه قدم اعتذاره من رئيس الحكومة على خطوة الإضراب «المتسرعة»، معلناً الاتفاق، بحسب مذكرة موقعة من وزيرة الطاقة والمديرة العامة، على آلية تقضي بفتح الاعتمادات بالدولار على أن تستوفي المحطات وشركات التوزيع أموالها بالليرة اللبنانية.
وسجلت أمس الجمعة، تحركات شعبية في بعض المناطق، إذ عمد مواطنون إلى إقفال طرقات بالإطارات المشتعلة، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية.
وبدأت هذه الأزمة التي تتزايد وطأتها في لبنان منذ أسابيع وأوصلت صرف الدولار إلى أعلى مستوياته (نحو 1600 ليرة)، تترك انعكاساتها السياسية بين أفرقاء السلطة، إذ كان لافتاً إحالة رئيس الجمهورية ميشال عون ما حصل في الأيام الأخيرة إلى وزير المالية علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيما تحدث وزير الخارجية جبران باسيل عن «ضغوط خارجية» و«مؤامرة داخلية على البلد».
وقال عون خلال عودته من نيويورك، أمس، بعد مشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة، رداً على سؤال حول الوضع المالي: «أنا كنت في نيويورك، اسألوا المعنيين. هناك مسؤول عن النقد وهو حاكم مصرف لبنان، وهناك مسؤول عن المال، هو وزير المال. أنا لست على علم بما حصل خلال غيابي عن بيروت».
وأشار إلى أن «هناك بعض الضغوط (الاقتصادية على لبنان) وهي ليست جديدة»، لافتاً إلى «ضرورة التريث قبل إطلاق أي موقف في هذا الخصوص وقبل تبيان الحقيقة، لا سيما فيما يتعلق بأزمة الدولار». وأكد أنه «ليس هناك أي خطر على لبنان». وأقرّ في الوقت عينه بأن «الأزمة الأخيرة تحتاج إلى معالجة، وفور عودتي سأتابع الموضوع عن قرب»، فيما اعتبر نواب في «التيار الوطني الحر» أن الهدف مما يحصل هو «ضرب العهد».
ونفت مصادر وزارية مطلعة على موقف الرئيس أن يكون عون حمّل سلامة وخليل مسؤولية ما حصل، مؤكدة أن كلامه «كان رداً على سؤال عن سبب ما حصل في الأيام الماضية، إذ قال إنه كان خارج لبنان ومن يُسأل عن الموضوع هما وزير المالية وحاكم مصرف لبنان». لكن في المقابل، طرحت المصادر علامة استفهام حول ما تقوم به المصارف في لبنان، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك كمية كبيرة من الشائعات تغذيها المصارف التي ترفض استبدال الليرة اللبنانية بالدولار بحجة عدم امتلاكها لها، وهذا ليس صحيحاً، حيث تقوم بالحفاظ على العملة الخضراء ترقباً لما سيحصل في الفترة المقبلة».
وأضافت المصادر: «لا يمكن إنكار بعض الأمور، لكن هناك أخباراً كاذبة تؤدي إلى كل هذه البلبلة، وهو ما لن يقبل الرئيس باستمراره وسيعمد إلى وضع حد له، إذ سيدعو للقاء مع المعنيين للبحث في الوضع القائم وأسبابه، خصوصاً أنه سبق أن اتفق في اجتماع بعبدا الاقتصادي على سلسلة إجراءات أهمها المحافظة على سقف الليرة واستمرار السيولة».
وفي المقابل، اعتبر باسيل أن ما يحصل «مؤامرة داخلية». وقال: «صحيح أن هناك مسؤولية على الدولة، لكننا نتعرض لضغط خارجي سواء في اقتصادنا أو عملتنا اللبنانية، لا سيما أن هناك شركاء في الداخل يتآمرون على البلد واقتصاده». وأضاف: «تخيلوا أن هناك لبنانيين يفبركون صوراً غير صحيحة ليحرضوا المواطنين على الدولة بدل أن نتضامن جميعاً لتخطي هذه المرحلة، كل ما يحصل هو محاولات لتفكيكنا من الداخل، أقول لكم: نعم نمر بأيام صعبة لكننا سنفشل المؤامرات والفتن التي تحاول مس ليرتنا واقتصادنا».
واعتبر أن «أسهل شيء هو فبركة الأمور، والمشكلة لدينا أن من يعملون على التخريب من الداخل لا يزالون يتبعون أجندة خارجية ظناً منهم أن هذه الأجندة ستربحهم في الداخل».
واستمر الحديث عن قضية تهريب الدولار إلى سوريا عبر مافيات لبنانية وسورية لتخفيف الأعباء عن النظام الذي يعاني من عقوبات. وتحدث نواب «الحزب التقدمي الاشتراكي» عن الموضوع أمس، إذ قال النائب بلال عبد الله: «بما أننا في أزمة دولرة المحروقات، وتضييق الشركات على المحطات والمواطنين، هل من يفيدنا عن عشرات وربما مئات الصهاريج التي تهرب إلى الخارج عبر معابر وطرق معروفة ومعلومة، وتأخذ معها العملة الخضراء؟ إنه إخبار برسم الأجهزة القضائية والأمنية».
والأمر نفسه أشار إليه النائب هادي أبو الحسن، قائلاً إن «أزمة الدولار تعكس انخفاض نسبة الثقة في المالية العامة والاقتصاد اللبناني»، مشيراً إلى أنه «يبدو أن هناك عملية مدبرة لزيادة الضغط المالي والاقتصادي والسياسي». ولفت إلى وجود شبكة داخلية تحاول سحب الدولار من المصارف والتهريب إلى سوريا، «إنما الغرض الحقيقي من هذا الأمر غير معروف». ودعا، في حديث إذاعي، الدولة إلى «التحرك سريعاً لوضع حد لمشكلة المعابر غير الشرعية». وقال: «آن الأوان لاتخاذ القرار السياسي ثم الإجرائي بضبط الحدود والتهريب على كل المعابر الشرعية وغير الشرعية».
وأمام كل ما يحصل، يؤكد وزير الاقتصاد السابق والنائب نقولا نحاس أن «لبنان لا يزال قادراً على الخروج من الأزمة إذا تم تغيير النهج المتبع»، مشدداً على أن «المسؤولية على الجميع» ورافضاً تحميلها لجهة دون أخرى. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أننا نمر بوضعية مالية ونقدية دقيقة تتطلب إجراءات مختلفة عن السابق، إنما لا نزال قادرين على تجاوزها لأن الأموال موجودة، وإن كانت ليست فائضة».
ويلفت إلى أن المطلوب اليوم اتخاذ بعض الترتيبات بدل تبادل الاتهامات. ويقول إن «الجميع معني ومسؤول، وما يحصل اليوم هو نتيجة تراكمات وعجز مستدام لسياسات خاطئة منذ عام 1992». وأضاف: «المطلوب اليوم اتخاذ الإجراءات اللازمة بدل توجيه الاتهامات، والمؤامرة الحقيقية هي في عدم الاعتراف بالواقع واتخاذ القرارات اللازمة. لا نزال نقول إننا قادرون على إنقاذ الوطن، لكن شرط تغيير النهج وسياسة توزيع المغانم، وإلا فإننا ذاهبون إلى الاختناق».