كتب د. عامر مشموشي في “اللواء”:
منذ أن تشكّلت «حكومة إلى العمل» لا يمر يوم ولا حتى ساعة إلا ويتحفنا هذا المسؤول أو ذاك، بتصريح يُؤكّد فيه ان الفساد المستشري هو أساس البلاء الذي يعيشه اللبنانيون ويتوعد بإعلان حرب شعواء لاجتثاثه من جذوره، وها هي الأيام والشهور تمضي، وما زالت هذه الآفة تنخر في جسم الشعب المسكين من دون أن تخطو هذه الحكومة، بكل مكوناتها خطوة واحدة، ولو صغيرة في الاتجاه الصحيح الذي يطمئن هذا الشعب بأن هناك جدية عند الطبقة السياسية الحاكمة لمحاربتها، بل ان ما يحصل هو العكس تماماً.
وتشهد على ذلك المناقشات التي دارت داخل مجلس الوزراء قبل اقرار موازنة العام الحالي، وخلال مناقشة مشروع قانون موازنة العام المقبل أي موازنة العام 2020، حيث يتوقف النقاش عند هذه النقطة ليتركز البحث على كيفية الاستفادة من الوضع المأزوم للاقتصاص من هذا الشعب والمحافظة في الوقت ذاته على هذا الجيش من الفاسدين والمفسدين، واذا ما تجرأ أي مواطن وسأل أهل السلطة عن مصير الوعود التي اطلقوها لمحاربة آفة الفساد التي تنهب المال العام، سمع من لدن هؤلاء أجوبة ممجوجة أو مبهمة لا تسمِن ولا تغني من جوع، بقدر ما تعطي انطباعاً عاماً بأن أهل السلطة أنفسهم الذين يتحدثون في كل مناسبة عن مساوئ انتشار الفساد في كل شرايين الدولة العليا هم أنفسهم حماتها والراعين لها لأنهم هم أول المستفيدين منها على حساب لقمة عيش المواطن وحقه في أن يعيش في دولة توفّر له سبل الحياة الكريمة وتحميه من هذه الآفة التي تمص دماءه كل يوم بل وكل ساعة.
وفي آخر مواقفه توعد رئيس الحكومة الفاسدين بمطاردتهم في كل مكان وايداعهم السجون، وقبله سمعنا من رئيس الجمهورية ومن رؤساء الأحزاب والكتل النيابية التي تشارك في الحكومة الكلام نفسه عن الفساد والمفسدين ولكن لم ير أحد من اللبنانيين أن هؤلاء أنفسهم قرنوا الأقوال بالأفعال، بل وجدوا العكس، والعكس يعني مزيداً من الفساد ومزيداً من الفاسدين ينتشرون في كل مرافئ ومرافق الدولة وهم يتمادون في نشر الفساد والأفساد، فيما الدولة غائبة، أو انها غيبت نفسها عن سابق تُصوّر وتصميم لتبقى ساحة الفساد مرتعاً لهؤلاء المفسدين على حساب لقمة عيش الفقراء وما أكثرهم في هذا البلد التعيس، فأين أصبحت هذه الوعود التي قطعوها لهذا المواطن البائس بقطع رأس الفساد واسترداد أمواله المنهوبة من قبلهم؟ إن كل المؤشرات التي ظهرت على سطح مناقشات مجلس الوزراء لمشروع قانون موازنة العام المقبل تدل على أمر واحد وهو أن أهل السلطة المختلفين على أمور كثيرة متفقين على أمر واحد وهو عدم التعرّض للفاسدين، بل على الحرص عليهم، لأنهم يشكلون العمود الفقري لاستمرارهم في السلطة، والتحكم بالشعب المظلوم أصلاً، جيلاً بعد جيل ووريثاً بعد وريث.
العالم كلّه كفر بهذه السلطة التي تتوارث الحكم منذ عدّة قرون وبات مقتنعاً بأن لا أمل في قيام دولة عادلة في هذا البلد التعيس وهذا ما حمله كما نسمع هذه الأيام على لسان كبار مسؤوليه على نفض اليد من لبنان وتركه ينهار ويسقط، فيما أهل السلطة ما زالوا غارقين كأهل بيزنطة في جدل عقيم لا جدوى ولا نفع منه ما عدا أمر واحد هو أنهم وضعوا بلدهم على قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. كفى وعوداً بالاصلاح والتغيير وباعلان الحرب على الفساد واقتلاع المفسدين من جذور الدولة وشرايينها، وبات على الشعب المسكين أن يتحرك في وجه هؤلاء، حتى يتمكن من اسقاطهم قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.