كتب د. مازن ع. خطاب في “اللواء”:
أصبح لبنان بلداً منكوباً جراء الازمات المتلاحقة المزمنة والخانقة الذي يعانيها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بسبب السياسيات الخرقاء للطبقة السياسية المتحكّمة بمقدرات البلد. وقد دخل لبنان منطقة الخطر الوجوديّ وهو يعاني سلسلة أزمات واخفاقات تبدأ من ارتفاع الدين العام الذي تعدّى المئة مليار دولار الى حدود الإفلاس، مروراً بمعدّل نمو اقتصادي لامس الصفر مع نسبة بطالة تخطّت ٣٥ في المئة، الى المضاعفات الاجتماعية جراء وقف المساعدات والقروض الإسكانية، إلى ارتفاع منسوب الفساد حيث أُدرج لبنان في المرتبة ١٣٨ في مؤشر مدركات الفساد العالمية، وصولاً إلى أزمة شح الدولار في الأسواق اللبنانية والاضرابات والاحتجاجات التي تلازمها، ولا يبدو ان سلسلة الازمات ستنتهي في المنظور القريب!
لقد انتقل لبنان من حال الدولة الفاشلة الى حال «اللادولة» ومنها الى حال الهريان والانهيار بوتيرة متسارعة، ولم يعد باستطاعة تسويات أهل السلطة ترقيع الفجوات في نظام الحُكم ولا تضميد جراح البلد النازف كما في السابق، بحيث ان الطبقة المتحكّمة فقدت مسوّغات مشروعيّتها وشرعيتها وتدنّت فعاليتها وباتت عالة على الوطن، ولم تعد موقع ثقة لدى اللبنانيين ولا المجتمع الدولي وخصوصاً الدول المانحة.
بما أنّ البلاد تمرّ في ظروفٍ صعبة واستثنائية تستوجبُ بالضرورة تدابير استثنائية للخروج من الأزمة المستعصية، وبما أنّ الشعب اللبناني أصبح أكثر وعياً من المراحل السابقة بخصوص حقوقه المنتهكة، فهو لم يعُد ينقصُه سوى العزيمة والشجاعة لكي يُشعل شرارة الغضبِ لكرامته ومصالحِه ومستقبله، وربّما آن الأوان ليُعلن حالة عصيانٍ مدنيٍّ يتوقّف خلالها عن دفعِ الضرائب والرسوم وكلفة الخدمات التي تُثقل كاهله في غياب خدمات فعليّة تقدّمها الدولة في المُقابل.
ومن شأن هذا التدبير ان يُضعف دخل الخزينة المعرّض اساساً للسرقات والنهب والهدر من قبل «المؤتمنين» على حياة واحوال اللبنانيين، ويُطوّق السُّلطة السياسيّة الحاكمة، بموازاة تحرّك الفئات السياسية المعارضة التي تُنادي بالإصلاح السياسي، كذلك المنظمات الأهليّة، ما يؤدي الى ضغط على السُّلطة كي تنفّذ مطالب الشعب وتكفّ عن نهب مقدّرات البلد وانتهاك حقوق شعبه، تمهيداً لتوليد البديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأفضل في مرحلة لاحقة.
لا شكّ ان الأمر يبدو صعباً او مستحيلاً، لكن لا مستحيل تحت الشمس إذا وُجدَ شعبٌ يطالب بحقوقه، ويمكن الاستئناس بالتجارب العالمية وبالتجربة الاستثنائية التي شهدتها بيروت في فترة ١٩٥١- ١٩٥٢ عندما أعلنت العصيان المدني بوجه السُّلطة وشركة كهرباء بيروت بسبب رفع سعر تعرفة الكهرباء، حيث رفض الناس دفع أي زيادة على التعرفة، ممّا اجبر السُّلطة وشركة الكهرباء على الرجوع عن قرارها. وتظهر هذه التجربة أن تعبئة منظّمة بين مواطنين ملتزمين ومعارضة فعالة بإمكانها تهديد النهج الحاكم، وبالتالي يصبح احداث تغييرات على مستوى الحكم قابلاً للتحقيق.
لم يعُد بإمكان السُّلطة السياسيّة إخافة الشّعب بحجّتهم الباهتة ذاتها، بأن البلد لا يتحمل هذا النوع من التصعيد وهو على حافة الانهيار، بينما يراكم السياسيّون الثروات في حين يتم افقار وتجويع الشعب، الذي يجب ان يستيقظ فوراً من سُباته ويلفُظ ثقافة الطاعة والخنوع، والّا فما قيمة الشعب الذي يرضخُ ويُذعن للتسلّط وسرقة واغتصاب أحلامه وانتهاك حقوقه؟