على هامش النقاش في الملفات الإقتصادية والإجتماعية الكبرى المفتوحة على شتى الإحتمالات السلبية، تتوسع رقعة السيناريوهات المتصلة بما يجري في الكواليس، خصوصا ان الى جانب كل هذه الملفات، ما زالت قضية تخفيض او تقليص حجم القطاع العام مطروحة بناء للدراسات والاقترحات المتطروحة التي اكدت وجوب اتخاذ قرارات موجعة تتناول جوانب مختلفة من هذا القطاع.
ثمة من يعتقد ان البلاد لم تعد تتسع للقطاع العام في شكله وآدائه، فباستثناء المؤسسات العسكرية والأمنية، هناك تضخم كبير في الإدارات والمؤسسات والهيئات المستقلة، لا سيما تلك المستحدثة في العقدين الماضيين والتي تلعب ادوارا استنسختها لوضع اليد على بعض الوزارات وهي انشئت خصيصا لمصلحة هذه التركيبة السياسية او تلك، في وقت يرى اصحاب هذه النظرية ان مؤسسات خدماتية كبرى ينوء موظفوها تحت عبء الشغور في المراكز الإدارية من الفئات الثانية والثالثة تزامنا مع تباهي المسؤولين بانجازات البعض منها.
ويقر بعض المراقبين عبر “المركزية” ان الغوص في تفاصيل ومضمون معظم الدراسات التي وضعت “غب الطلب” يكشف الكثير مما تحويه من مغالطات لتجاوزها الحقائق التي تقلل من اهمية محتواها وأهميتها وصولا الى مرحلة فقدان بعضها المصداقية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان البحث في هيكلية الضمان الاجتماعي اظهر ان حجم الشغور في المواقع الإدارية في الإدارة المركزية والفروع كبير جدا يزيد عن الثلث وهناك مواقع مشغولة بالإنابة او التكليف منذ سنوات عدة والوضع نفسه في مؤسسة كهرباء لبنان التي لا يوجد فيها ما يزيد على ثلث الهيكلية الإدارية كما هناك مؤسسات اخرى لا تتسع لها الصفحات عند الحديث عن حجم الشغور.
أضف الى ذلك ان الحديث عن عدم انتاجية بعض المؤسسات المستقلة وحجم الفساد فيها لم يقاربها، المسؤولون لأسباب سياسية وطائفية لارتباط مسؤوليها بالمرجعيات السياسية، وبدلا من البحث في مصيرها وكيفية تفعيلها يسعى البعض الى استسناخ تجاربها في مناطق مختلفة من لبنان. فما يتردد عن “مغاور” في مجلس الجنوب مثلا لم يقاربه أحد، في ما السعي قائم لإنشاء مجالس مماثلة في بعلبك – الهرمل وعكار تحت عناوين تحاكي حاجات ابناء هذه المناطق ومواجهة مظاهر الفقر التي زادت منها موجات النزوح السوري والتي تعددت المشاريع التي وضعت لها تحت شعار التشجيع على الزراعات البديلة او استثمار انتاجها الزراعي والسعي الى تصنيعه من دون ان ترى النور، على رغم مرور سنوات على الحديث عنها ووضع الدراسات الخاصة بها.
وفي وقت اجمعت المراجع المعنية على اهمية حل بعض المؤسسات واعادة دمجها بمؤسساتها الأم جاءت التعيينات الأخيرة في مجلس الوزراء لتجدد او تعين رؤساء لمجلس إدارتها واعضائها، قبل ان يجف حبر اقتراحاتهم بشانها. كل ذلك يجري على وقع تعزيز الحمايات الطائفية والمذهبية اليومية لبعض المواقع المشبوهة في اكثر من قطاع فتجد مسؤولين يرفضون المثول امام القضاء او مجرد دخول اجهزة التفتيش اليها فتحولت الى محميات مقفلة .
وتزامنا، لا يستطيع اي مسؤول مهما علا شأنه ان يقارب الوضع في بعض المؤسسات الأخرى التي فاحت منها روائح الفساد لأسباب سياسية. فكل الحديث عن اوجيرو مثلا او مجلس الانماء والإعمار وبؤر اخرى محصنة كالمرفأ والمطار والريجي وكازينو لبنان وشركات الخلوي وتحديدا المؤسسات التي نمت عن يمينها وشمالها للإستثمار في قطاع الإتصالات الذكية مخافة ان يؤدي ذلك الى عواصف سياسية بين اهل الحكم والحكومة بالنظر الى ان كل ما نما على جانبيها له خصوصيته المذهبية والطائفية والسياسية على اعلى المستويات. وان اي اقتراح يمكن ان يمس اي مرجعية سياسية او حزبية لن يرى النور في المدى المنظور.
عند هذه الحقائق، ثمة من يعتقد ان “الحكي ماشي والشغل ماشي” ولذلك ليس هناك من هو مستعد ليبدأ مشوار الإصلاح والتغيير من بيته باتجاه البيوت الأخرى وهو ما ادى الى طي بعض المشاريع التي طفت على سطح الأحداث. ذلك ان المطلوب ان يبدأ قادة مشاريع الاصلاح ومكافحة الفساد من امكنة يمكن الولوج اليها قبل ان تمتد الى الضفة الأخرى. ويعطي احد المراقبين مثالا على ذلك، ان مشاريع كتلة الوفاء للمقاومة التي سعت الى التحقيق في مصير المليارات الأحد عشر كان يمكن ان تمر لو بدأت مثلا بالتحقيقات قي مصير المليارات التي صرفت في مجلس الجنوب او في الضمان الاجتماعي قبل ان تمتد الى قطاع الإتصالات مثلا، لأن مثل هذه الخطوة تعطي الانطباع ان لا مكان للاستنسابية لديها او استغلال شعار الإصلاح في خدمة المشاريع السياسية.
على اي حال، وبعيدا من كل هذه التفاصيل غير الخافية على اي مسؤول، ثمة مشاريع يجري البحث فيها لضرب مؤسسات خدماتية مهمة تعنى بشؤون الشباب والفئات من ذوي الدخل المحدود والمتوسط قد تطفو الى سطح الأحداث قريبا. وظهرت احدى مؤشرات هذه المشاريع في التفاهم الذي نسج بين نواب من كتلة “التنمية والتحرير” و”القوات اللبنانية” من اجل نقل 35 مليار ليرة من موازنة المؤسسة العامة للاسكان الى ميزانية المؤسسات التي تهتم بذوي الإحتياجات الخاصة ،تحت شعار مساعدة المهمشين وألأكثر فقرا، في ما هي على ما يعتقد المراقبون، جاءت كرد قاس على مطلب للتيار الوطني الحر، لمجرد ان تحدث رئيسه عن حل مجلس الجنوب، وبعدما تنامى ان من بين مقترحات الورقة الإقتصادية للقوات اللبنانية اقتراح باقفال المؤسسة العامة للاسكان ودمجها وكأن مهمتها انتهت قبل البحث في مصير نحو مئة الف مقترض منها، جميعهم من ذوي الدخل المحدود والمتوسط والفقراء.