كتب غاصب المختار في “اللواء”:
انفجرت الازمة الاقتصادية – المعيشية في الشارع كما كان متوقعاً، بسبب استفحال المشكلات اليومية، وآخرها شح الدولار والمضاربات على الليرة والسوق السوداء لصرف العملة، ما انعكس على بعض السلع الاساسية كالمحروقات والقمح، عدا ارتفاع الاسعار، كل هذا من دون إجراءات سريعة كان يُفترض اتخاذها من قبل المصرف المركزي ووزارة المال وجمعية المصارف والجهات الرسمية المعنية، وليس الانتظار حتى يوم غد الثلاثاء للمعالجة، وهي بحسب مصادر متابعة لن تكون اجراءات جذرية، بل ترقيع بينما يستمر فلتان الدولار، فيما غادر رئيس الحكومة سعد الحريري الى باريس للمشاركة في تشييع الرئيس الراحل جاك شيراك. ما يعني انه لا اجتماعات رسمية حكومية لمتابعة الازمة،ولا حتى للجنة الوزارية للاصلاحات الاقتصادية،بانتظار ما سيصدر اليوم عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول ازمة النقد.
وفي حين كان لافتا للانتباه ان تحركات الاحتجاج المنظمة والعفوية امتدت من بيروت الى المناطق، ولو بنسب متفاوتة، وكان من الطبيعي ان يدخل على خطها بعض الغوغاء، لكن اللافت للانتباه ايضا كان تجاهل المسؤولين للتحذيرات التي اطلقتها الهيئات النقابية والمجتمع المدني، بضرورة الاستعجال بدل التلكؤ في معالجة الازمة الاخيرة.
ولكن وزير الشباب والرياضة محمد فنيش قال لـ «اللواء» ان ما حصل في الشارع، وقبله مسألة شح الدولار والارباك في اسواق النقد والمحروقات، هي نتيجة للأزمة الاقتصادية والمالية التي يعانها البلد منذ اعوام. واضاف: ان التظاهر والاعتصام والاحتجاج حق مكفول للناس لكن شرط عدم تخريب المنشآت العامة، وهذه الازمة المستجدة هي قيد المعالجة لكن الحل ليس بكبسة زر نتيجة التراكمات الكبيرة والقديمة، والجهات المعنية بدأت بالمعالجة ويجب ان ننتظر النتائج».
وعلى خط موازٍ، كان رئيس الجمهورية ميشال عون يقوم بعد عودته من نيويورك باتصالات مع الجهات المعنية الرسمية المالية والنقدية والمصرفية، من اجل متابعة هذه الازمة والمعالجات الجارية لها، وعُلم في هذا السياق ان الرئيس عون، «كان يستفسر من المعنيين عن اسباب تفاقم ازمة شح الدولار، بعدماكانت قيد السيطرة قبل سفره، وتساءل عن مصير الدولارات وأين ذهبت بعدما كانت مكدسة في المصارف»؟ كما استفسر عن الحلول السريعة الممكنة قبل تفاقم الازمة اكثر.
وفي العودة الى الوقائع، فإن تراكمات الازمة باعتراف كل المسؤولين تكمن في الهدر والفساد، وهو امر عمره سنين لكن تنبهت لخطرهما الحكومة مؤخرا بعدما باتت مكافحتهما مطلبا دوليا من الدول المانحة ومن المندوب الفرنسي المشرف على تطبيق مقررات مؤتمر «سيدر» بيار دوكان بشكل مباشر خلال زيارته الاخيرة الى بيروت. وربما فاقمت الاجراءات الاميركية بحق المصارف من عوامل الخوف عند المودعين والمستثمرين، خاصة ان الادارة الاميركية بصدد زيادة هذه العقوبات على شخصيات سياسية ورجال اعمال وشخصيات اقتصادية ومالية، وستصيب لبنان في اماكن موجعة تسهم في مضاعفة اعبائه.
واذا كانت اوراق الاصلاح الاقتصادي قد وضعت الاصبع على الجرح ، والتي قدمها في اجتماع بعبدا المالي- الاقتصادي- السياسي، رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي ميشال عون ونبيه بري، وورقة رئيس الحكومة التي قدمها لمجلس الوزراء مؤخراً، وصولا الى ورقتي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وقبلهما «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الله» في مقترحات مكتوبة او شفهية، وهي كلها متقاربة او متشابهة، فإن المعالجات لا زالت قاصرة حتى الان عن الولوج في مكمني الازمة الاساسيين: الهدر والفساد. وهما محميان سياسياً بطريقة غريبة عجيبة، وبالتالي لا حلول فعلية قبل رفع الحماية السياسية عن الهدر والفساد، وهو امر أقرّ به بعض السياسيين واجمعت عليه القوى النقابية والعمالية والمجتمع المدني والمستقلون.
وترى مصادر وزارية ان هناك خطوات اصلاحية لا بد منها قبل التفكير في مد اليد على جيوب المواطنين عبر فرض مزيد من الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة كما اقترح البعض في اوراقه الاصلاحية، ومنها واهمها: اصلاح النظام الضريبي، وحماية الانتاج الوطني، ووقف التهريب، وانقاذ قطاعي الكهرباء والاتصالات لتخفيف العجز، وتقليص رواتب الرؤساء والنواب والوزراء وكبار الموظفين، واستيفاء الاموال على المخالفات البحرية والنهرية والتعديات على المنشآت العامة، ووقف السمسرات والمحسوبيات والتغطيات على الصفقات المشبوهة، وسواها من اجراءات سبق واعلنها اكثر من طرف اقتصادي ونقابي مختص.