كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
هو من المطمئنين الى وضع الدولار والليرة اللبنانية وأن القطاعين الإقتصادي والمالي سيتنفّسان الصعداء ما أن تبدأ الإصلاحات وتعود الثقة الى المواطنين واللبنانيين الموجودين في الخارج. انه وزير الإقتصاد والتجارة منصور بطيش الذي أكد خلال لقاء حواري مع “نداء الوطن” أن “لا مشكلة في الدولار” . وبذلك ينضم بطيش الى المتفائلين، لا سيما الى رئيس الحكومة سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة اللذين يقولان أن الأمور تحت السيطرة وتتم معالجتها ووضع الليرة مستقر وجيّد، في حين أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يرى “أن الوضع الإقتصادي دقيق ويتطلب معالجة سريعة”.
عن تعميم مصرف لبنان المتوقع ان يصدر يوم غد الثلثاء والذي سينظم من خلاله آلية تمويل استيراد البنزين والدواء والقمح، كانت إنطلاقة الحوار. يشير بطيش في هذا السياق الى أن “الآلية ستعتمد على تسهيل شراء الدولار لتأمين تلك العملة تفادياً لأي أزمة”. فلبّ المشكلة في تلك القطاعات أن التجار يستوردون بالدولار ويقبضون بالعملة الوطنية والإعتمادات من خلال المصارف لا يتمّ توفيرها لهم بقدر احتياجاتهم ما يضطرهم للجوء الى الصيارفة لتحويل العملة اللبنانية التي لديهم الى دولار .
ويشرح أن “لبنان يستورد بقيمة 2.5 مليار دولار بنزين ومازوت، وأدوية بقيمة 1.4 مليار دولار وقمح وطحين بمبلغ يتراوح بين 150 و 170 مليون دولار وبذلك يكون مجموع الأمن الغذائي 4 مليارات دولار، ومصرف لبنان من خلال الآلية التي سيتبعها، من المفترض أن يؤمن تلك المواد بسعر الصرف المحدد وليس بسعر أعلى”.
وعن سائر القطاعات الإقتصادية لا سيما التجارية الأخرى التي بدأت ترغم المواطنين لتسديد مشترياتهم بالدولار والتي تسطّر وزارة الإقتصاد بحقّهم محاضر ضبط، يلفت بطيش الى أن “المشكلة في لبنان اننا لا نعترف اننا نستورد بقيمة كبيرة ولا نصدّر في المقابل الا جزءاً بسيطاً، وفي المقابل ليس لدينا خدمات سياحة، والتركيز في الماضي كان محوره مصاريف الدولة والفساد والهدر ليس إلا، في حين ان الأمر الأهم الذي يجب التركيز عليه هو العجز في حسابات البلد مع الخارج، اذ لدينا عجز بالحساب الجاري الخارجي بقيمة 12.5 مليار دولار، مقابل عجز في التجارة الخارجية بقيمة 16.650 مليار دولار. واذا احتسبنا الخدمات لتحويلات اللبنانيين من الخارج بقيمة 4 مليارات دولار يتبقى لنا 12.5 مليار دولار، تضاف اليها استثمارات الإيداعات من الخارج، فنحتسب عندها صافي ميزان المدفوعات والودائع”.
ويؤكد ان “لبنان كان يحقق من قطاع الخدمات والسياحة صافي 2 مليار دولار، أما تحويلات اللبنانيين المقيمين في الخارج فتبلغ 7.9 مليارات دولار تحسم منها 6 مليارات لليد العاملة الأجنبية والتحويلات الى الخارج باعتبار أنه يوجد 270 ألف أجنبي مسجلين أصولاً يعملون في لبنان ويأخذون من درب شبابنا وأولادنا. هذا هو لبّ المشكلة الإقتصادية والمالية في البلاد ويجب حلّها فتتذلل سائر العقبات”.
وحول دعم خطة وزير العمل كميل أبو سليمان لتنظيم العمالة اللبنانية لا سيما الفلسطينيين والسوريين غير الشرعيين، يجيب بطيش: “ندعم كل تطبيق لقانون تنظيم العمالة في لبنان كتيار سياسي ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل سبق أن أيّد بدروه هذه الخطوة”.
وبالعودة الى البنزين وما يقال عن حصول ارتفاع في الكميات المستوردة والسبب تفاقم التهريب عبر الحدود مع سوريا، ينفي علمه بدقة هذا الكلام ويشير الى أن “2.5 مليار دولار قيمة البنزين المستورد وأسعار المحروقات في السوق لم تتغير. واذا سلمنا جدلاً أن التاجر اشترى بالدولار وباع الى الخارج واستوفى مقبوضاته بالدولار يحقق الربح ولا يخسر، علماً أنني لا أعرف مدى دقة المعلومات حول حقيقة ارتفاع كمية المحروقات المستوردة الى لبنان أو لا”.
وحول تأييده حاكمية مصرف لبنان بأن الدولار متوفّر رغم ارتفاعه في السوق الموازية، يقول: “أؤيد استقرار سعر صرف العملة المحلية وكل القيادات السياسية بهذا الجو. فلبنان يمرّ اليوم بظروف اقتصادية صعبة نتيجة تراكمات عمرها 27 سنة ولا أحد يقبل بهذا الواقع. فمعالجة المشكلة الإقتصادية تتطلب تضافر كل الجهود، واذا استطعنا كحكومة أن ننجز كل الإصلاحات المطلوبة نتجاوز حتماً الأزمة”. مؤكداً أنه “في الوقت الراهن لا يجب أن نخشى من أي تلاعب بسعرالعملة”.
ويضيف: “الإتجاه اليوم هو نحو استقرار الليرة اللبنانية إزاء الدولار، علماً أن هناك حالياً ندرة في التداول بالدولار “كاش”، لكن عندما تعود الثقة سترتاح الأسواق، وفترة استمرار الأزمة وقف على السرعة في إنجاز الإجراءات الإصلاحية اللازمة”.
ورقة بعبدا
ماذا عن مصير ورقة بعبدا والمقترحات التي تضمنتها؟ عن ذلك يعتبر بطيش أن “ورقة بعبدا هي الأساس وقد بدأنا بمناقشتها، وهناك ايضاً اوراق إقتصادية مطروحة لكل من تكتل “لبنان القوي” والرئيس الحريري و” القوات” و”الاشتراكي”، كلها ستخضع للبحث وسيقع الخيار على النقاط التي يتمّ التفاهم عليها”. وفي ما يتعلق بخطة ماكينزي التي لم تدخل حيّز التطبيق رغم أنها حازت في الحكومة السابقة على توافق جميع الأفرقاء السياسيين، يشرح: “لم نصل اليها بعد، وأنجزت دراستها بناء على طلب الحكومة السابقة، وبدوري أحلت المستند الرسمي الذي استلمته الى الامانة العامة لمجلس الوزراء في 8 نيسان. فـ”ماكينزي” دراسة أضاءت على القطاعات الاقتصادية والمنتجات التي يجب تحفيزها والتركيز عليها، وتتضمن قيمة مضافة عالية ونقاطاً ايجابية لكن يجب وضع آلية التحفيز والتحديث ودعم هذه المنتجات كي تكون لديها قدرة تنافسية ونحقق الزيادة في الانتاج والتصدير”.
الأولويات
وعن عمر الأزمة والاولويات الملحّة التي يجب الشروع بها للحدّ منها بشكل سريع، يحددها بطيش كالآتي:
1ـ ضرورة إقرار موازنة 2020.
2ـ إطلاق مناقصات الكهرباء في أقرب وقت ممكن كي تنطلق الخطة لتأمين الكهرباء 24 على 24 خلال فترة وجيزة قد لا تتجاوز السنة، من خلال خطة متكاملة تتضمن حلولاً مرحلية وأخرى دائمة.
3ـ إنجاز خطة النفايات الصلبة، وقد وافق مجلس الوزراء عليها في اطارها العام، وثمة تفاصيل متبقية يجب انجازها.
4ـ بدء تنفيذ مؤتمر”سيدر”، لاطلاق المشاريع الاستثمارية الضرورية، علماً أن بحوزة الدولة 3 مليارات و 300 مليون دولار، وهي أموال جاهزة لاستخدامها في مشاريع البنية التحتية ولكن تنفيذها ينتظر إنجاز مرحلة الإستملاكات. ولا بد هنا من الإشارة الى أن لبنان لا يمكنه ان يقوم سنوياً باستثمارات في البنية التحتية تتخطى قيمتها 2 مليار دولار.
5 – تحفيز السياحة الداخلية وتوفير المناخ الملائم كي تبقى الدولارات في البلاد، لا سيما من خلال السياحة الدينية والشتوية…، وبذلك نتفادى خروج نحو 100 ألف عائلة لبنانية تسافر سنوياً الى الخارج ومعها الدولارات التي نحتاجها.
6 – تطوير القطاع المالي ومن ضمنه شركات التأمين.
7 – تنفيذ خطة نقل عام مع شبكة طرقات وقطارات تخفف كلفة استيراد البنزين واستيراد المركبات والآليات من الخارج على الميزان التجاري. ويضيف: “عندما نخلق هذا المناخ الحاضن نحفّز قطاعات الإنتشار كافة للإستثمار في لبنان”.
ولحين تطبيق هذه الإصلاحات التي تتطلب الوقت، كيف ستعالج الحكومة مشكلة الدولار وتحدّ من الأزمة؟ عن هذا التساؤل يشدّد بطيش على أنه “لا توجد مشكلة في الدولار وعلى الإعلام ان يدعمنا في هذا الأمر”. ويوضح: “في لبنان نستهلك أكثر مما ننتج، فلا توجد دولة في العالم تستهلك بنسبة 105% من إجمالي الناتج المحلي، ما يعني أن الإدخار سلبي لذلك نلهث وراء الدولار من الخارج ونسدد فائدة عليه”. معتبراً أنه “توجد ضبابية في إجراءات تعزيز الشفافية وضبط الإنفاق ووقف الهدر الموجودة في حساب موازنة الدولة”.
وبالنسبة الى الوديعة السعودية المرتقب ان تمنح الى لبنان والتي تتراوح بين مليار ونصف وملياري دولار، يرى أنه “اذا دخلت ودائع الى لبنان أهلاً وسهلاً. ولكن لا نحتاج الى ودائع، لأن قيمة ودائعنا تبلغ 175 مليار دولار، ماذا سيتغير اذا اصبحت 176 مليار دولار؟”. مؤكداً أن “الأساس هو الميزان التجاري والحساب الجاري ومبلغ الـ 12.5 مليار دولار الذي يذهب الى الخارج من حساب البلاد، وفي الوقت نفسه عجز حسابات الدولة المعروف بعجز الموازنة. وبذلك يكون لدينا عجزان توأمان (عجز الموازنة والعجز التجاري) يجب خفضهما لإعادة الثقة الى الإقتصاد وتحريك عجلته”. ويعتبر في ما يتعلق بما تم تداوله عن إمكان مطاولة العقوبات الأميركية لحلفاء “حزب الله”، أن “ذلك يصبّ في خانة حملة التخويف والتشويش الموجودة في البلاد”.
ماذا عن الدعم الذي من المفترض توفيره للقطاعات الإنتاجية لا سيما الصناعيين الذين يئنون بدورهم من عملية صرف الدولار ومن الركود الإقتصادي؟
حول ذلك يؤكد أننا “الحكومة الوحيدة في لبنان التي اتخذت إجراءات لدعم وتحفيز الإنتاج الوطني من خلال نقطتين: أولاً، بعد التوافق بين “الإقتصاد” ووزير الصناعة وائل ابو فاعور تمّ وضع رسوم نوعية على 20 منتجاً لبنانياً لحماية الصناعة المحلية، وفرضت رسوم بنسبة 3% على السلع غير الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، والتي تفرضها حكومات الدول عادة عندما يكون ميزان المدفوعات سلبياً لديها لفترة سنوات”. وحول كيفية ضبط مديرية حماية المستهلك التجّار لعدم التجاوز في رفع الأسعار، يؤكد بطيش أنّ المديرية تقوم بدورها وقامت بـ 24127 زيارة كشف نتج عنها 872 محضر ضبط، و180 إنذاراً خطياً و31 قرار تعليق تداول او العمل وذلك لفترة سبعة أشهر ونصف الشهر. أما ما يُحكى عن صفقة تتحضّر لخصخصة إهراءات القمح في ظلّ غياب وزارة الإقتصاد، يؤكد بطيش أن “هذا الكلام غير صحيح وأي تدبير يتخذ يتمّ ضمن المؤسسات الدستورية عبر مجلس الوزراء وبشكل شفاف”. من جهة أخرى وفي حين يؤكد وزير المال علي حسن خليل ان موازنة 2020 خالية من الضرائب وإدراج “التيار الوطني الحر” ضمن ورقته الإقتصادية تضمينها ضرائب عدة، يؤكد بطيش أن “موازنة 2020 لن تتضمن أعباء اضافية على الطبقات المحدودة الدخل”.
وفي ما يتعلق بعدم اعتماد سياسة تقشّفية عامة شاملة للبلاد تبدأ من الوزراء والنواب والحد من تكاليف السفر، خصوصاً وأنه حكي عن أن الوفد اللبناني الى مؤتمر نيويورك بلغ 167 شخصاً، أوضح أن راتب الوزير هو متدن اصلاً ويبلغ 5600 دولار وكلفة السفر للوزير هي دون تكلفة الضابط. وبالنسبة الى الوفد اللبناني الذي سافر الى نيويورك، فقد خفض عدده الى 55 ورئيس الجمهورية قصّر فترة إقامته لتفادي المزيد من التكاليف، و”ما حدا قد الرئيس حريص على خفض المصاريف والتقشّف”. لافتاً الى ” سياسة عصر النفقات التي يتبعها بدوره بطيش في وزارة الإقتصاد”.