كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
كل الطرق تؤدي إلى البواخر التركية لشراء الطاقة الكهربائية، إن لم يكن بتفصيل دفتر الشروط على قياسها فبالأمر الواقع. تلك البواخر هي «الأرخص» والأسرع لتأمين كميات إضافية من الطاقة، بحسب أكثر من مصدر معنيّ. مع ذلك يدور النقاش حالياً حول إعداد دفتر شروط لمناقصة المعامل، يضمن المنافسة العادلة بين خيارَي البر والبحر، ويؤدي إلى تجنّب رسوّ هذه البواخر على الساحل اللبناني لسنوات طويلة
خرجت الخلافات بين أعضاء اللجنة الوزارية المعنيّة بدرس دفتر شروط مناقصة إنتاج الكهرباء إلى العلن. قبل أن يدخل إلى الاجتماع الأخير للجنة (الجمعة)، قال وزير الصناعة وائل أبو فاعور: «سنصوّت ضدّ البواخر وسنُطالب بإحالة الموضوع على إدارة المناقصات». تلك بدت إشارة واضحة إلى التوتر الذي يخبو حيناً ويطفو على السطح حيناً آخر. مع ذلك، فإن النقاش المستمر، والذي يوصف دائماً بـ«الهادئ» لم يصل إلى قرارات حاسمة بعد.
مسألة البواخر قضية إشكالية منذ سنوات. التيار الوطني الحر، مدعوماً من تيار المستقبل، صار يوصف بأبي البواخر، نظراً إلى حماسته الدائمة لهذا الخيار. وهو لذلك، سبق أن اتّهم بتفصيل دفاتر الشروط على قياس البواخر التركية. في مناقصة شراء الطاقة بصفة مستعجلة التي أُلغيت لاحقاً، خلصت إدارة المناقصات إلى أن دفتر الشروط لا يؤمّن عدالة المنافسة.
الأرض مجاناً
في المناقصة الحالية، لا تزال التهمة نفسها موجّهة إلى العونيين. طلب تأمين الكهرباء بصورة «عاجلة نسبياً» في «المرحلة المؤقتة» (أي المرحلة السابقة لإقامة معامل «دائمة») يُعطي الأفضلية للبواخر، لأن دفتر الشروط يفرض كلفة إضافية (بدل إيجار أو شراء الأرض) على من يطرح خيار تأمين الكهرباء «المؤقتة» على البر (دفع كلفة إيجار الأرض)، مقابل عدم وجود أي شرط من هذا النوع لخيار البواخر. مجرّد الحديث عن المعامل العائمة، يعني تلقائياً إعطاء الأفضلية للبواخر التركية، أولاً لأن تركيا رائدة في مجال المعامل العائمة (شركة «كارادينيز» تحديداً)، وثانياً لأنها الوحيدة القادرة على توفير البواخر خلال أشهر قليلة، وثالثاً لأنها صارت عالمة بالزواريب اللبنانية.
لهذا كله، جرى التأكيد في اللجنة على ضرورة إزالة نقطة التمايز هذه، من خلال تأمين الدولة الأرض مجاناً (حرم معمل الزهراني على سبيل المثال) لأي عارض يقدّم حلولاً مؤقتة على البر. لكن مع ذلك، تتوقع مصادر مطّلعة أن لا يؤدي أي إجراء إلى إبعاد البواخر، لأن هذا الخيار هو الأقل كلفة، والأكثر فاعلية، تمهيداً لزيادة الإنتاج ورفع التعرفة. هذا لا يعني أن التوجّه إلى البحر محسوم. قبل الانتخابات النيابية، سرت أخبار عديدة عن شركات مستعدة لتأمين الطاقة عبر مولّدات متوسطة الحجم على البر خلال فترة ستة أشهر. بعد فترة وجيزة، سيتم التأكد مما إذا كانت هذه الخيارات واقعية أم كانت جزءاً من حملة سياسية استهدفت حينها القيّمين على وزارة الطاقة، على ما تعتبر مصادرها.
«المناقصات»
خرج الخلاف بشأن البواخر إلى العلن، قبل أن يتم الاتفاق على الإجراءات الإدارية المتعلقة بهذه المناقصة. وبعد أن تجنبت وزارة الطاقة تحويل دفتر الشروط مباشرة إلى إدارة المناقصات لوضع ملاحظاتها عليه، يبدو مسلّماً به من قبل وزراء في اللجنة أن بدءها بدراسة الدفتر لن يعني أن الإدارة لن تضع ملاحظاتها. يشير أحدهم إلى أنه خلافاً لرأي وزيرة الطاقة بوجوب إقرار الدفتر في مجلس الوزراء قبل تحويله إلى إدارة المناقصات، فإن المطلوب أن ينتقل الملف إلى المناقصات ما إن تنتهي اللجنة من دراسته. وعندها، سيكون هنالك خياران، إما أن يتم الاتفاق بين «الطاقة» و«المناقصات» على الملاحظات، خاصة إذا لم تكن جوهرية، وإما أن ترفض الوزارة السير بالملاحظات، فيكون عليها أن تضع ملاحظاتها على ملاحظات إدارة المناقصات، ثم تحويلها إلى مجلس الوزراء للبتّ فيها.
غرامات تأخير المعامل
لم تحسم اللجنة الإشكالية المتعلّقة بجدوى التصنيف الذي تجريه وزارة الطاقة للشركات، وبناءً عليه تسمح لتلك الشركات بالمشاركة في المناقصة أو تمنعها. ثمّة من يعتبر أنه مخالف للقانون وقابل للطعن.
النقاش يشمل أيضاً مسألة أساسية تتعلّق بتوحيد سعر الطاقة في المرحلتين المؤقتة والدائمة. وإذا كانت هذه الخطوة قد اعتُبرت إنجازاً عند إقرار خطة الكهرباء في أيار الماضي، لكونها تدفع المتعهد إلى الإسراع في إنجاز المرحلة الدائمة توفيراً لأكلافه، فقد أبلغت وزارة الطاقة زملاءها في اللجنة أن ذلك لن يكون ممكناً، لأنه يعيق عملية تمويل المعامل.
التعديل جعل البعض يدعو إلى إلغاء المرحلة المؤقتة برمّتها والتركيز على إنجاز المعامل الدائمة، لكن مشكلة هذا الطرح أنه يؤخر احتمال رفع التعرفة قريباً، مع ما يعنيه ذلك من مخالفة للتوجيهات الدولية التي تضغط باتجاه الإسراع في إلغاء دعم أسعار الكهرباء. لذلك، كان لا بد من البحث عن بديل للتعرفة الموحّدة، بما يضمن عدم تأخير الخيار الدائم، ويقطع الطريق على تمديد المرحلة المؤقتة إلى ما لا نهاية. حتى الآن الحل يقضي بفرض غرامات تأخير عالية، تتراوح ما بين 100 مليون و150 مليون دولار على المتعهّد الذي يتأخر في إنجاز المعامل الدائمة.
سلعاتا أم حنّوش
بقيت مسألة معمل سلعاتا الذي نشأ خلاف بشأن الأرض التي سيُبنى عليها، والتي لم تُحسم بعد. بدأت المشكلة مع انتشار مسودة دفتر شروط مناقصة معمل سلعاتا. فقد تبين أن الوزارة غيّرت مكان المعمل، بناء على دراسة أعدّها الاستشاري «فيشتنر»، كانت نتيجتها مخالفة الدراسة التي سبق أن أعدّها الاستشاري «موت ماكدونالد». فالأخير كان قد اعتبر أن أفضل مكان لبناء المعمل هو في الأرض التي تملكها مؤسسة كهرباء لبنان في منطقة حنّوش التابعة لبلدية حامات (تبعد نحو ثلاثة كيلومترات شمال بلدة سلعاتا). وهو الخيار الذي تبنّاه وزير الطاقة السابق سيزار بو خليل، بوصفه أرخص الخيارات وأفضلها. لكن وزيرة الطاقة الحالية ارتأت أن يُبنى المعمل على أرض تعود ملكيتها إلى أصحاب مصنع لإنتاج الزيوت. وقد أدى ذلك إلى اعتراضات عديدة وشديدة اللهجة من أصحاب المعمل وبلدية سلعاتا وصولاً إلى وزير الصناعة وائل أبو فاعور، الذي بدأ تحرّكه على خلفية حماية الصناعة الوطنية.
فأصحاب المعمل راسلوا وزارة الطاقة طالبين الرجوع عن القرار «لعدم قانونيته»، محذّرين من أنهم سيقدّمون مراجعة إبطال لأي مرسوم قد يصدر باستملاك العقارات التابعة لهم. كما اعتبروا أن إنشاءه سيؤدي إلى إغلاق معملين يوظفان 800 شخص، لأنه سيساهم في إغلاق المرفأ الذي شيّدته وتستثمره الشركة المالكة له، بما يسمح برسو البواخر الكبيرة التي تؤمّن المواد الأولية للمعمل.
كذلك أكدت البلدية عدم موافقتها «بشكل قاطع» على إنشاء محطة إنتاج الكهرباء، نظراً إلى قربها من السكان، ولأن الموقع المختار سيشمل موضع المسبح الشعبي، كما سيؤدي إلى إغلاق المرفأ. كذلك تشير البلدية إلى أن سعر المتر في سلعاتا هو ضعفَا سعره في حنوش، ما يعني أن استملاك نحو 45 ألف متر مربع في سلعاتا، في الوقت الذي تملك مؤسسة كهرباء لبنان 35 ألف متر مربع في حنوش سيؤدي إلى دفع كلفة هائلة.
لكن وزيرة الطاقة كانت قد أشارت إلى أن الأراضي المستملَكة من كهرباء لبنان هي أملاك متباعدة عن بعضها البعض، بعد أن استرجع عدد من أصحاب الأراضي أملاكهم، لعدم استعمالها خلال عشر سنوات، أضف إلى ذلك حديثها عن وجود كنيسة قديمة، مصنّفة أثرية من قبل وزارة الثقافة، ما يعني وجوب الابتعاد عنها مسافة 150 متراً من كل ناحية. ولذلك، اعتبرت أن تكلفة الاستملاك في سلعاتا، إضافة إلى تكلفة ردم جزء من البحر، ستكون أقل من تكلفة تجهيز واستملاك المزيد من الأراضي في حنوش، علماً أنها نفت أيضاً أن يؤدي المعمل إلى إغلاق المرفأ المجاور.
وفيما لم يُحسم مكان المعمل بعد، فإن أحد الوزراء رأى أنه إذا كانت الوزارة تعتبر أن ردم البحر في سلعاتا يمكن أن يساهم في تخفيف الكلفة، فإن ذلك يمكن أن يجري في منطقة حنوش أيضاً، علماً أن الجرف القاري لا يبعد سوى بضعة أمتار عن الشاطئ الصخري في سلعاتا، والذي نظراً لعمقه يكلف أموالاً طائلة لردمه. الاعتراض يأخذ عند البعض منحىً تشكيكياً. هؤلاء يعودون إلى الأصل، إلى أسباب اختيار الاستشاري «فيشتنر» الذي سبق أن فرض عليه البنك الدولي، في عام 2017، عقوبة الإقصاء عن المشاركة في مشاريع من تمويله، بعد أن ثبت لديه أنه أساء السلوك في أحد مشاريع الطاقة في جمهورية الكونغو. وإذ استمرت عملية الإقصاء حتى نهاية شهر أيلول 2018، فإنه منذ ذلك الحين، أي منذ نحو عام لم يقم الاستشاري بأي مشاريع ضخمة، بل اكتفى بمشاريع صغيرة، إلى أن وصل إلى لبنان.