كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
… وانتقلت كرة اللهيب إلى الشارع. صدقت إنذارات المسؤولين من “الأعظم”. وإذ برمال الاعتراض تتحرك من تحت أقدام القابضين على البلاد. السلطة برمّتها بدت أمس في موقع الاستهداف. العهد والحكومة وكل من تعاقب على كراسي السلطة هو في قفص الاتهام.
لكن واجهة التصويب بدت مركزة على جانبين: العهد بفريقه السياسي وهي المرّة الأولى التي “تُرجم” فيها رئاسة ميشال عون بعدما كان “تياره” طليعياً في “رجم” العهود والحكومات المتعاقبة، والحكومة ممثّلة برئيسها سعد الحريري.
لم تعد هوية محرّكي الشارع مهمّة، طالما أنّ السلطة تسلّم بالأصل بفظاعة الوضع الاقتصادي والمالي وبقرب انهيار لن يعفي أحداً من شظاياه، إذا لم يتمّ تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة عبر سلّة إجراءات اصلاحية تعيد تصويب وضع المالية العامة. وبالتالي، صارت كل ردّة فعل، من أي جهة أتت، مبررة، لأنّها تعكس عن قصد أو غير قصد، حالة الغليان المتراكمة.
“صمت القبور” خيّم بالأمس على أهل السلطة، فيما صراخ المعترضين يملأ مربعات الكرّ والفر التي جرت طوال ساعات بعد الظهر بين المحتجين والقوى الأمنية، بعدما انفلشت بقعة الاعتراض الصباحية التي شهدتها ساحة رياض الصلح، على طول المناطق اللبنانية من شمالها إلى جنوبها.
كل مكونات السلطة، السياسية والأمنية، دقّقت بالأمس في “ماورائيات” الحدث بحثاً عن جهة قد تكون محرّضة أو مشاركة أو متواطئة أو حتى داعمة لمسلسل قطع الطرقات الذي شهد حلقات متتالية في العديد من المناطق.
لكن البحث عن “الجاني” بدا كالبحث عن الإبرة في كومة قش. كل الإشارات التي استجمعت ووضعت على طاولات المعنيين، لم توضّح ملامح متهم محدد. كانت القناعة سائدة بأنّ ما حصل طوال ساعات قبل الظهر وبعده، هو على الأرجح وليد النقمة الشعبية، هو فورة غضب لا بدّ منها بفعل المعاناة التي تصيب الطبقات المتوسطة والفقيرة، سواء بمظاهره الديموقراطية التي عبّرت عنها التحركات السلمية، أو بتلك الفوضوية التي شوّهت الاعتراضات الشعبية.
مبادرات فردية
كل المعطيات التي توفّرت أمس، أثبتت أنّ ما شهده الشارع حصل بمبادرات فردية. لم توضع اليد على أي أدلة قد تفيد أنّ ثمة فريقاً سياسياً قام بتغطية تلك التحركات. حتى مجموعات الحراك المدني بدا أثرها غائباً باستثناء مشاركة مجموعات محددة في حراك وسط العاصمة. ولكن الترابط بدا مفقوداً بين دومينو الحراك الشمالي وذلك البقاعي والساحلي…
يقرّ العونيون أنّ وجع الناس مبرر وخروجهم من منازلهم اعتراضاً متوقّع. وهذا جانب لا غبار عليه في حراك يوم أمس. انما ثمة ظروف مهّدت لمسلسل قطع الطرق، تدفع إلى إحاطة المشهد برمّته بعلامات الاستفهام.
يقولون إنّ كمية الشائعات التي ملأت فراغ غياب رئيس الجمهورية طوال الأسبوع الماضي، والارتباط غير المرئي بين ترك سعر الدولار يتفلّت في السوق وإضراب أصحاب محطات البنزين، مثير للشكوك. كما أنّ توجيه أصابع الإتهام بالمسؤولية الكاملة عن الأزمة المالية والاقتصادية إلى الرئيس عون دون غيره من المسؤولين، فيه الكثير من التجنّي، والأسباب الكافية التي تدفع للبحث عن قطبة مخفية سياسية.
كما يؤكدون أنّ مشهد النيران الملتهبة في شوارع العاصمة وغيرها من المناطق، لم يفصح عن وجود أصابع خفيّة لجهة محددة، حتى أنّ تنوع المشاهد يرفع من احتمال “فردية” التصرف، أو أنّها جهة فائقة الذكاء لم تترك وراءها دليلاً واضحاً.
إلّا أنّ ما يتوقفون عنده هو التطورات النقدية والحملة التي شنّت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي والتي بدت منظّمة ومبرمجة بشكل يدعو للتنقيب في دفائنها كونها غير بريئة.
ويشيرون إلى أنّه من المجحف تحميل رئاسة الجمهورية مسؤولية التدهور الحاصل خصوصاً وأنّ الرئيس يضع الملف الاقتصادي في سلّم أولوياته، ولكنه بالنتيجة محكوم بمقتضيات الدستور الذي قلّص حجم صلاحياته، ومع ذلك هو تمكن من توسيع هذا الهامش وفرض نفسه شريكاً في معالجة هذا الملف، ولو أنّ أصوات معارضي رئيس الحكومة ترتفع سريعاً تحت عنوان تجاوز الصلاحيات.
يضيفون: إلا أنّ التركيز على رئيس الجمهورية يبعث بالشك بوجود جهات تحاول استغلال وجع الناس وخشيتها من الآتي، لتسجيل نقاط بالسياسة، خصوصاً وأنّ بعض تحركات يوم أمس الأحد شهدت تصرفات تنمّ عن احتمال وجود “متسلّقين” يحاولون استثمار التحركات العفوية للتصويب على رئيس الحكومة من خلال إنزال صوره وإحراقها.