كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:
لم يحتمل عدد من المنتفعين في شركات التأمين من «الساطين» على المال العام والمتلاعبين بالسمسرات الخفية من أموال المواطنين والفقراء، والمحتمين بمظلات سياسية وحزبية، مجرد فكرة أن هناك من يدقق في أرقامهم، بعد أن وصلت فضائح ما يرتكبون إلى كلّ الناس. فاكتست الردود من بعضهم مزيجاً من المرارة والتخبط، على ما نشرناه سابقاً. وهنا نسأل: ماذا يعني ما ذكر في ردهم بأن قطاع التأمين الإلزامي هو الأكثر رقابة؟
بالعودة إلى ما سمي بالمصدر “الرسمي”، في رد الشركات على تحقيق سمسرات التأمين الإلزامي، أي التقرير السنوي الصادر عن قطاع التأمين لعام 2017، تبين لنا أن شركة “ليبرتي” على سبيل المثال لم ترد في التقرير، علماً انها من الشركات الأكثر نشاطاً في قطاع التأمين الإلزامي. فكيف يكون القطاع هو الأكثر رقابة مع مثل هذا التفلت؟ ولما عدنا إلى تقرير سنة 2016، تمكنا من تسجيل المعلومات التالية:
– بلغ حجم التأمين الإلزامي على السيارات ما بين سنتي 2012 و2016 ما يعادل 450 مليار ل.ل.
– وان احتسبنا عدد البوالص المباعة في الفترة عينها لوجدنا ان السمسرات قد بلغت حوالى 185 مليار ل.ل. أي 41% من حجم التأمين.
– بلغت مبالغ الإنفاق للادارة 54 مليار ل.ل. أي ما يعادل 12% من حجم التأمين.
– وبلغت تكلفة الحوادث التأمينية 125 مليار ل.ل. أي ما يوازي 28% من حجم التأمين.
باختصار، لا يمكن السكوت عن هذا الواقع. ومن يستفيد من هذه الاموال في قطاع هو الأكثر رقابة؟ سؤال مشروع يوصل مباشرة إلى صلب الموضوع، وهو: هل يعقل أن تتخطى كلفة السمسرات 185 مليار ل.ل. لقطاع تأميني إلزامي، لا يمكن للمواطن التهرب منه إلا إذا تعمد مخالفة القوانين والأنظمة؟ وفي السياق عينه ما دور المؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي؟ وهل يقتصر دورها على تسليم ما يسمى بالـ vignettes؟ أم انها تمكنت من إيجاد حلول للحوادث المجهولة او للشركات المخالفة التي تحيل المصابين إلى وزارة الصحة والضمان الاجتماعي؟
حاولت “نداء الوطن” الاتصال برئيس جمعية شركات التأمين ايلي طربيه “ففضل التريّث بالاجابة لكثرة انشغالاته وعدم امتلاكه الوقت الكافي”.
عن الموضوع يقول عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبدالله “لقد تقدمت بمشروع قانون ليُستبدل التأمين الالزامي برسم لوزارة الصحة لتصبح وحدها المسؤولة عن تغطية الاضرار الجسدية الناجمة عن حوادث السير. ما يحصل منذ اقرار قانون التأمين الالزامي هو ارغام المواطن على دفع “ضريبة” لشركات التأمين والقطاع الخاص التي تتنصل في 80% من الحالات من تغطية كلفة الاستشفاء الى المتضررين ليعودوا ويلجأوا الى وزارة الصحة او الضمان الاجتماعي. تجني شركات القطاع حوالى 70 مليون دولار سنوياً وان قمنا بتخصيص نصف هذا المبلغ الى وزارة الصحة لتكفّلت بكل الحوادث. فالحل الانسب للمواطن هو استلام الدولة زمام الامور”.
بدوره يوضح رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للضمان الالزامي فاتح بكداش في اتصال مع “نداء الوطن”ان “هناك 3 او 4 شركات تعاني من مشاكل في الوقت الراهن. تتمثل هذه المشاكل بنهج تكسير الأسعار الذي تعتمده هذه الشركات، وعدم امتلاكها الاحتياطات اللازمة لتغطية الحوادث، بالإضافة الى وجود دعاوى قضائية ضدها. وقد أرسلت لجنة الرقابة على شركات الضمان إنذارات اليها لتسوية أوضاعها. اما رخصة شركة ليبرتي فمعلقة حالياً لمدة سنة لاعادة تكوين رأس مالها”.
فيما خص سعي “بعض الشركات” لناحية التهرب من تغطية نفقات الاستشفاء الناجمة عن حادث سير وتحميل اعبائها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة يقول بكداش”ما يحصل في بعض الحالات هو انه عندما يلاحظ عدد قليل من الشركات التأمين هذه، والتي باتت معروفة، ان المصاب مستفيد من تغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعمد هذا البعض الى التهرب من دفع النفقة متحججاً بان الحادث غير مغطى. ويضيف بكداش “يسيء هذا العدد القليل من الشركات الى سمعة القطاع ككل. لذا طلبت من رئيس مصلحة القضايا في الضمان صادق علوية التبليغ عن كل حالة تحاول فيها احدى الشركات التي تتكرر اسماؤها التهرب من تغطية أي ضرر جسدي ناجم عن حادث سير. الى ذلك، عرضنا فكرة ان يصدر الوزير تعميماً لضبط الموضوع من خلال تخصيص رقم رباعي ليتم الاتصال به في حال وقوع حادث نجمت عنه اضرار جسدية. لكن لا بد من الاشارة الى وجود بعض شركات الوساطة المضرة بالقطاع تعتبر مسؤولة عن إفلاس شركات في ما مضى. اذا ليست شركات التأمين وحدها المسؤولة عن الأخطاء الحاصلة لدرجة هناك تخوف من تكرار تجربة AUG. وللمناسبة يجب توضيح ان القطاع سبق وسدد بين سنة 2012 وسنة 2017 مبلغاً وقدره 207 مليارات ليرة لبنانية وذلك تعويضاً عن مجموع 34 الف حادث صدم، وذلك وفق الأرقام الواردة في تقرير لجنة مراقبة هيئات الضمان في وزارة الإقتصاد.
الى ذلك، تجدر الاشارة الى ان الشركات تسدد ضرائب سنوية عن بوالص التأمين الالزامي بحوالى 7 ملايين دولار. لكننا ذاهبون الى تفعيل دور لجنة الرقابة ودعمها لتضبط السوق ولتوقف شركات الوساطة عن شراء بوالص بأقل من اسعارها على اساس ان تتحمل جزءاً من تكاليف الحوادث”.
تصرف الأموال المحصلة من التأمين الالزامي على الضرائب التي تفرضها الدولة، كما وعلى الحوادث اما الباقي فيسجل ارباحاً للشركات مع الاخذ بالحسبان الاحتياطات والإجراءات المتخذة تخوفاً من حصول انخفاض في قيمة الليرة اللبنانية، كما جاء على لسان احد المسؤولين عن القطاع.
من جهته يقول رئيس مصلحة القضايا في الضمان صادق علوية ان “ليس هناك ارقام محددة للاعباء المالية التي تكبدها صندوق الضمان لناحية تهرب الشركات من تغطية النفقات. لكن بوسعي الجزم باننا تعاونا كثيرا مع لجنة الرقابة التي تضغط على بعض هذه الشركات التي تحاول ان تتهرب مراراً من مسؤولياتها. وتبقى المشكلة في القانون الناظم للقطاع لا سيما المرسوم الاشتراعي 105/77 الذي يتيح في بعض الاحيان للشركات التفلت من واجباتها. هذا المرسوم بحاجة الى تحديث لحماية وزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة. لكن في المقابل يتحمل المواطن جزءا من هذه الفوضى العارمة لانه وفي احيان كثيرة يمتنع عن تبليغ الشركات متسلحاً باستفادته من خدمات الضمان او الوزارة”.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن نسب العمولة للتأمين الإلزامي للسيارات في البلدان الأكثر رقابة لقطاعاتها التأمينية لا تتجاوز 5%. فمتى يعود المعنيون في لبنان إلى ضميرهم ويسمحون للجنة الرقابة في القيام بعملها بعيداً من التدخلات السياسية لحماية المخالفين، ومتى يكفون أيديهم عن أموال الشعب ويوقفون السطو والسمسرة؟