كتبت جنى جبّور في “نداء الوطن”:
“ما فيني اغفى اذا الخزانة مفتوحة”، “ما فيني اغفى الّا وقنينة المي حدّي”، “ما بحب أوعا ع صوت المنبه لأنو بيقلقني طول النهار”… قد تكون هذه العبارات مألوفة عند كثيرين منّا، فهذه العادات وغيرها يتمسك بها الانسان ويعتبرها مريحة لنفسيته. ولكن هل فكرتكم لو مرّة واحدة أنها تخبئ وراءها مشكلات نفسية تستدعي العلاج الدوائي؟ وهل تعلمون سبب ميل “جيل الحرب” الى تناول الأدوية المساعِدة على النوم؟
على الرغم من تأكيد المؤسسة الطبية الأميركية للنوم “National Sleep Foundation” ضرورة حصول الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 سنة على قسط كاف من النوم يومياً، يتراوح ما بين 7 إلى 9 ساعات، الّا أنّ ذلك لا ينطبق على معظم الشخصيات الأكثر نجاحاً وشهرة في العالم. وتظهر عدد ساعات نوم هؤلاء أنها أقل من المستويات الموصى بها من قبل المؤسسة. ففنان عصر النهضة ليوناردو دافينشي تبع في حياته نظام نوم يعتمد على النوم 20 دقيقة كل 4 ساعات. أمّا المخترع توماس إديسون فلم يعطِ أي أهمية للنوم ولطالما اعتقد انه مجرد مضيعة للوقت، حيث كان ينام لمدة 3 ساعات يومياً، مقسمة على 6 فترات. رئيس الحكومة البريطانية وأحد أبرز القادة في القرن العشرين وينستون تشرشل، كان نومه قليلاً، ويكتفي بساعات رقاد معدودة كل 36 ساعة، وكان يؤمن بأن “القيلولة” تساعده في النجاح على البقاء مستيقظاً. أمّا المرأة الحديدية رئيسة وزراء بريطانية مارغريت تاتشر، فلم تكن تنام لأكثر من 4 ساعات في اليوم الواحد مثلها مثل الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك. كذلك الحال بالنسبة للرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، الذي ينام يومياً لمدة تتراوح بين 3 و4 ساعات. وكما في الخارج كذلك في لبنان، فوزير الخارجية جبران باسيل عُرف بـ”الرجل الذي لا ينام”… طبعاً، لكن النعاس يفاجئه أحياناً .
قيلولة باسيل… سبب نشاطه!
يشير رئيس قسم الطب الداخلي وأمراض النوم في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي الدكتور جورج جوفيليكيان لـ”نداء الوطن” إلى أنّ “ساعات النوم تختلف من شخص الى آخر، فالبعض تكفيه 6 ساعات والبعض الآخر يحتاج الى 8 ساعات نوم أقله. أمّا الذين ينامون 4 ساعات، كالوزير باسيل مثلاً، فنحن نعلم من المقربين منه حرصه على أخذ قيلولة يومية نهاراً (Powernap) تتراوح مدتها بين 5 و 10 دقائق، وهذه الدقائق القليلة كافية لتزويده بالنشاط المطلوب. هذا النمط نلاحظه ايضاً عند تلامذة الطب جرّاء ضعط الدرس الذي يجبرهم على السهر ليلاً لنيل العلى”.
ويضيف جوفيليكيان “لا تحمل القيلولة قيمة أو نوعية نوم جيدّة، وتدل على حاجة الجسم الى النوم، فالشخص الذي حصل على الكمية الكافية، بالطبع لن يحتاجها. ومن المفيد معرفة أنّ جسم الانسان لا يتحمل أكثر التفريط بـ 20 ساعة نوم وتبقى كدَين وجب تسديده لاحقاً، ما يفسر نوم تلامذة الطب مثلاً 16 الى 18 ساعة في ايام نهاية الاسبوع لتعويض النقص”.
“Lexotanil” قبل النوم؟
تختلف ساعات النوم بحسب عمر الأشخاص؛ فحديثو الولادة بحاجة الى ما بين 16 و 19 ساعة نوم يومياً، بينما الصغار 12 ساعة تكفيهم، والمراهقون 9 ساعات، أمّا البالغون فبحاجة الى 7 ساعات، والاشخاص فوق سن الـ 65، فينامون 6 الى 8 ساعات على فترات متقطعة (4 الى 5 ساعات في الليل وباقي الوقت في النهار). أمّا في لبنان، فيعاني المواطنون من قلة النوم أو الأرق لأسباب نفسية أو بسبب صدمة ما أو لما يعرف بالـ” post somatic stress disorder “، المصاب بها عدد كبير من الذين واكبوا الحرب اللبنانية. وقد تفسر هذه النقطة سبب تناول جيل الحرب أدوية تساعدهم على النوم كالـ”Lexotanil ” و “Valium” وغيرهما، من دون ان يعلموا اصابتهم بمشاكل مرضية مختلفة تستدعي حاجتهم الى هذا النوع من الادوية.
لكل “خَصلة”… تفسير نفسي!
لكل فرد فينا عادة يحرص على القيام بها قبل خلوده الى النوم، وتؤمن له نوعاً من الراحة النفسية. وبحسب الإختصاصيّة في علم النفس العيادي الأستاذة الجامعيّة الدكتورة كارول سعادة “تعتبر العادات التي يتمسك بها الانسان طبيعية جدّاً، الّا في حال شكل غيابها عائقاً ومعاناة للشخص المعني. وبالتالي يمكن القول إنّ معاناة الشخص هي المعيار الاساسي لتحديد التصرفات والعادات الطبيعية وتفرقتها عن الأمور المرضية أو القلق أو الوسواس. وعندما يمر الفرد بمرحلة ضغط نفسي أو ما يعرف بالـ”Stress”، يزيد تعلقه بالعادات التي تريحه، ولا يعتبر ذلك خطوة سلبية الا في حال سببت له تداعيات جدّية على حياته اليومية من ناحية مضيعة الوقت، أو اذا شكلت عائقاً أمام حياته الاجتماعية والعائلية”.
لا تقتصر العادات على فترة محددة، بل هي مستمرة في كل مكان وزمان، وتتحول الى روتين قد يكون الإقلاع عنه مكلفاً ويهدد استقرارنا النفسي. اليكم بعض العادات “الليلية” التي يمكن أن تكون مشتركة بيننا، وتفسر د. سعادة دلالاتها النفسية على الشكل الآتي:
– عدم القدرة على النوم من دون وجود عبوة ماء:
يشعر الانسان بالعطش ليلاً الامر الذي يوقظه ويستدعي توجهه الى المطبخ كي يروي ظمأه. هذه الفكرة، تدفع البعض الى التأكد من وجود عبوة الماء الى جانبهم قبل الخلود الى النوم، وحتّى لو لم يشربوا منها طوال الليل . وتعتبر هذه الخطوة إجراء طبيعياً الّا في حال ارتبطت بالخوف من الاختناق ليلاً أو بالخشية من الدخول الى المطبخ… عندها تتحول الى حال مرضية.
– عدم القدرة على النوم من دون إغلاق الابواب والستائر والخزائن:
من الطبيعي جدّاً اغلاق الأبواب والستائر لا بل من الضروري القيام بذلك للشعور بالأمان، ولمنع دخول الضوء المزعج الى الغرفة. أمّا في ما يخص اغلاق الخزائن، فيمكن أن يكون نوعاً من الترتيب، كما يمكن أن يرتبط بأفكار توهمية أو الخوف من الحظ السيئ. وتكون الامور طبيعية اذا لم تتحول الى وسواس أو الى حاجة دائمة للتأكد من اغلاق الخزائن.
– فرش السرير قبل موعد اللجوء اليه:
يرتبط ذلك بالوسواس والخوف من وجود بكتيريا في السرير، واذا كانت هذه الخطوة تأخذ الكثير من وقت الشخص، فيكون لديه سلوك قهري. وغالباً ما ترتبط هذه الحالة بعادات اخرى يكررها الشخص لتأمين راحته النفسية.
– عدم القدرة على النوم من دون “هز”:
تخبئ هذه العادة نوعاً من الحنين الى الماضي وبالتحديد الى مرحلة الطفولة. وهذه الرغبة التي يقوم بها الانسان في اللاوعي تشعره بالأمان.
– التعلق بالوسادة وعدم القدرة على النوم من دونها:
من الطبيعي أن يتعلق الشخص بالوسادة التي تريحه وتؤمن له نوماً مريحاً، ما يدفعه الى اصطحابها معه الى كل الأماكن التي يقصدها بهدف النوم. وتظهر المشكلة عند غياب القدرة على النوم في حال لم تكن موجودة.
– عدم القدرة على النوم من دون “ضوء خفيف”:
هذه الحالة يعاني منها بشكل خاص الأطفال والمراهقون، ويمكن أن يعاني منها الراشدون. وفي وقت يريح الضوء الخفيف البعض، يخبئ عند البعض الآخر حالات خوف من الظلام والحاجة الى رؤية كل ما يدور في الغرفة، ما يسبب القلق للشخص. ونتحدث عن حالة قلق متقدمة عندما يمتنع الشخص عن النوم من دون ضوء كلّي في الغرفة خوفاً من السرقة أو من الأفكار السوداء كالأرواح الشريرة والموت…
– عدم القدرة على النوم من دون جوارب:
عادة طبيعية ترتبط بحب الشعور بالدفء
– عدم القدرة على النوم في حال كانت الاحذية مقلوبة:
عادة ترتبط بهوس تربى الشخص عليه. يوجد فرق بين الذي يرى الحذاء صدفةً بوضعه غير الطبيعي، وبين الذي يقصد التأكد منه في كل أرجاء المنزل قبل النوم. وهناك من ينهض ليلاً لإعادة التأكد من “وضعية الصرامي”. في هذه الحالة نتكلم عن نوع من الوسواس القهري بالاضافة الى مشاكل اخرى.
– فرش السرير وترتيبه بطريقة معينة:
تندرج هذه الخطوة في اطار الهوس والافكار التي تمنع الانسان من النوم الّا في حال رتب سريره بطريقة معينة تريحه. وكلما كانت هذه الخطوة إلزامية كلما اتجهنا الى تشخيص حالته بالمرضية لا سيما أنه يعتبر أسيراً لافكار معينة.
– الصدمة والصراخ عند الاسيقاظ :
تنقسم هذه الحالة الى نوعين من الاشخاص؛ الاول يصرخ ثمّ يستيقظ مصدوماً، والثاني يستيقظ وهو يبكي. نتكلم عن اضطراب في النوم بحسب تكرار الحالة، أمّا عند الأطفال فنتكلم عن اضطراب في النوم عند ملاحظة صراخهم اثناء نومهم. مع الاشارة، الى أنّ المعني لا يعلم بصراخه، بل مَن حوله فقط.
– الانزعاج كل النهار عند الاسيقاظ على صوت المنبه:
إنّ الاستيقاظ يومياً على صوت المنبه يعني أنّ الشخص لا يسيقظ بارادته، ما يخلق له نوعاً من الازعاج لا سيما اذا قطع الصوت مرحلة نومه العميق. ولكن هذا لا يبرر انزعاجه طوال فترة اليوم، بل يكون منزعجاً من أمور اخرى لا يدركها أو يدركها وغضّ النظر عنها في اللاوعي، بالاضافة الى معاناته من حساسية مفرطة على الغضب والقلق أو إن كان يتميز بشخصية عصبية.
– الاسيقاظ بقلق قبل موعد المنبه:
من الطبيعي عندما نكون بانتظار حدث أو موعد مهم في اليوم الثاني أن نستيقظ قبل موعد المنبه، وذلك لاننا ننام نوماً خفيفاً فيدفعنا اللاوعي الى الاسيقاظ قبل الوقت المحدد. اما الشخص الذي يخاف يومياً من هذا الموضوع او يخاف الا يستيقظ عندما يرن المنبه، فتسيطر عليه حالة مستمرة من القلق والتفكير.
علاج سلوكي ودوائي
يمكن أن تكون كل هذه الامور طبيعية ومرتكزة على عادات عائلية معينة يقوم بها الفرد في حياته اليومية، بهدف راحته. ومن الطبيعي ان تختلف بين الشخص والآخر فلكلٍ شخصيته وطريقته في العيش. ولكن عندما تصبح هذه العادات إلزامية ويتحول الشخص الى إسيرٍ لها، عندها نتكلم عن اضطرابات في النوم وعن حالات مرضية وعن الاصابة بالوسواس القهري وحالات قلق عام، لا سيما اذا استمرت لنحو 6 أشهر، واذا كانت تؤثر بشكل واضح على حياته الاجتماعية والعملية. وبحسب د. سعادة “يرتكز العلاج على حالة الشخص ويمكن أن يكون معرفياً سلوكياً أو حتّى دوائياً. في المقابل، يؤثر الضغط النفسي على النوم بشكل مباشر، كذلك يزيد من وتيرة العادات، ويحفز الشخصيات التي لديها استعداد للقلق والوسواس. كذلك، يسبب القلق وكثرة التفكير بأمور معينة، الاكتئاب”.
يمتد الوقت المثالي للنوم من 10 ليلاً حتّى 6 صباحاً.
– لا يجب تجاهل انخفاض حرارة جسمكم، بل عند حصول ذلك من المهم لجوؤكم للنوم والّا «طارت النعوسة».
– من الضروري والصحي الاستيقاظ يومياً في الوقت نفسه والا عانى الشخص من خلل في ساعته اليبولوجية.
– تؤثر قلة النوم على مستوى التركيز والذاكرة، والقدرة الجنسية والمزاج بالاضافة الى تسببها بالضغط النفسي.
– الابتعاد عن الاكل والشرب قبل 3 ساعات من موعد النوم.
– من الافضل النوم على الجانب.
– من المهم النوم في غرفة مظلمة وبعيداً عن الاصوات.
– يجب ان يكون الرأس اعلى من الجسم.
– يحتاج الجسم الى نوعية نوم جيدة.
-على كل انسان ان يمر يومياً بمراحل النوم الخمس وهي:
-المرحلة الأولى (5% من مرحلة النوم): تعد مرحلةً انتقاليةً بين اليقظة والنّوم.
– المرحلة الثانية (النسبة الأكبر من مرحلة النوم): يكون النّوم خفيفاً.
– المرحلتان الثالثة والرابعة: النوم العميق.
– المرحلة الخامسة او مرحلة نوم حركة العين السريعة: بدء مرحلة الأحلام العميقة.