لم يكن ينقص لبنان المتراقص على حافة الهاوية الاقتصادية إلا مقال كذاك الذي “نبشته” صحيفة “نيويورك تايمز”، متضمنا اتهامات لرئيس الحكومة سعد الحريري، تمسّه بالشخصي.
وأبعد من الخبر نفسه، فإن أحدا لا يمكن أن يشك في أن توقيت كشف النقاب بإسهاب عن هذه القضية، من شأنه أن يثير غبارا كثيفا من التساؤلات المشروعة حول الأهداف الحقيقية الكامنة وراءه والرسائل السياسية والشخصية الموجهة إلى رئيس الحكومة من أكثر من جهة.
وفي السياق، تنبه مصادر مراقبة عبر “المركزية” إلى أن مقال الصحيفة الأميركية الأشهر (التي سبق أن خاضت حربا ضروسا ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد الاتهامات التي وجهها إليها الأخير لجهة نشر الأخبار الكاذبة) يأتي في وقت تبدو مكونات الحكم والحكومة التي يرأسها الحريري في عين عاصفة من الغضب الشعبي إزاء التراجع الحاد في الأوضاع الاقتصادية والمالية للبنان، الذي لا ينفك يدفع ضريبة المواجهة الأميركية المفتوحة مع طهران وأذرعها الاقليمية في المنطقة، وبينها حزب الله، الحاضر في الحكومة ومجلس النواب على السواء، والذي نجح في ايصال حليفه التاريخي، العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.
وتذكر المصادر أن نجاح الحزب في ايصال عون إلى رئاسة الجمهورية بعد عامين من الفراغ، ما كان ليتم لو أن الحريري لم يبادر إلى مدّ عون بجرعة دعم “زرقاء” انتظرها عون طويلا، فولدت التسوية الرئاسية الشهيرة التي تحكم لبنان منذ ما يقارب 3 سنوات، والتي يتحرك الجميع تحت سقفها ويعملون بجهد على إنعاشها كلما أصابتها النكسات المرتبطة بالزكزكات السياسية المعهودة.
غير أن الأهم، في رأي المصادر، يكمن في أن الحريري يجاري رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تحت سقف اتفاقهما، ويدافع عن حكومته، التي يعد حزب الله، من ابرز مكوناتها.
في مقاربة مقال “نيويورك تايمز” من هذه الزاوية، تعتبر المصادر أن الهدف قد يكون رفع منسوب الضغط السياسي على الحريري، علما أن الاخبار المرتبطة بالحياة الشخصية للزعماء بحجم الحريري، تلفت اهتمام الناس، لا سيما منهم القاعدة الشعبية الخاصة بتيار المستقبل، ما يعني أن احتمال ارتفاع الضغوط الشعبية أيضا عليه وارد، خصوصا أن بعض مناصري الحريري لم يخف امتعاضه، على مدى المرحلة السابقة، من الخيارات التي ركن إليها الحريري منذ ابرام تسوية 2016، وهو ما ظهر بوضوح في الانتخابات النيابية الأخيرة التي دفع فيها الحريري ثمن هذه الاصطفافات الجديدة تراجعا في حجم كتلته النيابية.
وإلى جانب احتمال أن تكون واشنطن قد اتخذت قرار ممارسة المزيد من الضغط على الحريري، لمواجهة حزب الله وحلفائه واختلال ميزان القوى المحلي في لبنان لصالح هذا المحور، لا تغيب عن بال المصادر الاشارة إلى أن الحريري لا ينفك يتلقى ضربات داخلية، ذات طابع محلي، ليس أقلها القنص الذي يتلقاه بوتيرة شبه يومية من حلفائه قبل خصومه وآخرهم عضو تكتل لبنان القوي النائب زياد أسود، الذي اعتبر اليوم، على سبيل المثال، أن رئيس الحكومة “لم يكن مقداما في كثير من الملفات”، في وقت تصاعدت أصوات كثيرة من جانب الدائرين في الفلك البرتقالي، منتقدة الحكومة ورئيسها في العديد من الملفات الاقتصادية. أمام هذه الصورة، لا يسع المصادر إلا أن تختم مؤكدة أن حتى تبرد موجة الكلام عن “استهداف للعهد والحكومة”، ستبقى ثابتة وحيدة قائمة: التسوية باقية أيا كانت الضغوط على الحريري لأنها حاجة للجميع!