IMLebanon

«تنويم» أزمة الدولار في لبنان

 

يدخل لبنان ابتداء من اليوم مرحلة اختبارٍ مزدوجٍ، أولاً للأثَر الذي ستتركه آلية المصرف المركزي لتوفير الدولار الأميركي للمصارف (بالسعر الرسمي) لتأمين استيراد البنزين والأدوية والطحين على شحّ «العملة الخضراء» وتالياً على تَفلُّت سعر الصرف وتداعياته «الفوضوية»، وثانياً لحجم التفاعلات السياسية لمشهديّة «غضْبة الأحد» التي بدت مُدَجَّجَةً برسائل لم يتوانَ رئيس الجمهورية ميشال عون و«من دون روتوش» عن اعتبار أنها وُضعت في «صندوق بريده».
ففي حين يُنتظر أن يُصْدِرَ حاكمُ مصرف لبنان رياض سلامة اليوم التعميم في شأن توفير الدولار لاستيراد «السلع الاستراتيجية الثلاث» (تناهز تكلفة استيرادها 4.3 مليار دولار سنوياً)، تطايرتْ أسئلةٌ لن يكون ممكناً تبلْوُر أجوبة حاسمة وسريعة عليها، وأبرزها:
* حجم «المَخاطر» التي يمكن أن يرتّبها توسيعُ دور «المركزي»، من حماية الاستقرار النقدي وتشكيل «خط دفاع» بوجه الأعباء الهائلة للمديونية «القياسية» إلى تمويل احتياجات الاقتصاد، مع ما قد يعنيه ذلك من استنزاف احتياطاته بالعملات الأجنبية التي كان عمد في الفترة الأخيرة إلى التشدّد في «القبض عليها» بإجراءاتٍ «كابِحة» لاقتْها المصارف التجارية وساهمت في تظهير أزمة السيولة بالدولار التي يعانيها لبنان.
* هل سيؤدي «تحييد» القطاعات المشمولة بآلية تمويل الاستيراد بالدولار بسعر الصرف المُعلن (نحو 1507 ليرات) عن «هجمة الطلب» على العملة الخضراء، إلى تخفيفِ الضغط على الليرة في الأسواق وردْم الهوة بين سعريْ الدولار الرسمي و«الفعلي» في السوق الموازية (كان وصل إلى 1630 ليرة). علماً ان سلامة حرص بعد زيارته عون (أمس) على تأكيد أن التعميم الذي يصدر عنه اليوم «سيخفف حكماً الضغط على طلب الدولار لدى الصيارفة» في ظل تقارير عن أن سعر تَداوُله انخفض أمس إلى ما بين 1530 و1550 ليرة.
* هل المعالجة الموْضعية لأزمة شحّ الدولار التي تُعتبر أول «عارِض» بالعين المجرَّدة للمأزق المالي في لبنان، ستُنْهي حال «التقنين» في توفير الدولار التي تعتمدها المَصارف. وفي حين مضى بعضها أمس في التأكيد على إجراءات التحوّط التي يعتمدها وبينها في ما خص العمليات عبر الصرافات الآلية (ATM) تحت عنوان الحدّ من «المضاربات»، علمت «الراي» أن تعميماً صدر من جمعية المصارف (كان رئيسها سليم صفير التقى عون أمس) بتمنٍ من حاكم «المركزي» بالتعاون مع صغار المقترضين بالعملاتِ لتسوية قروضهم بالليرة إذا كانت مداخيلهم بالليرة، وهو ما من شأنه أن يشكّل عاملاً إضافياً في تقليل حجم العمليات غير سوق الصيرفة.
وفي موازاة هذه المعالجات، بدأت بعض الأوساط تسأل عما إذا كانت الإجراءت الاستلحاقية هي بمثابة «تنويم» للأزمة الحقيقية مالياً واقتصادياً التي تواجهها البلاد التي باتت تعيش على ما يشبه «التنفس الاصطناعي»، فإما يكون ذلك بمثابة «جرعة اوكسيجين» إضافية تتيح إمرار الإصلاحات التي لا مفرّ منها لإحداث «صدمة» إيجابية تكسر الحلقة المفرغة للعجز المتسلسل في ميزان المدفوعات والميزان التجاري والموازنة العامة وتسمح بفكّ أسْر مؤتمر «سيدر» ومخصصاته، وإما سيعني عدم الترجمة السريعة لدفتر الشروط الإصلاحي أن مصرف لبنان يجازف باحتياطاته وأن البلاد ستكون أمام تَدَحْرُجٍ أسْرع للأزمة التي يتم أيضاً «تجهيلٌ متعمَّد» لـ«فاعِل رئيسي» فيها هو الواقع السياسي وتَمَوْضع لبنان الاقليمي وتظهيره تباعاً على أنه صار في فلك «المحور الإيراني».
ولاحظتْ الأوساط في هذا السياق أن الإجراءات «الاضطرارية» التي يدخل على خطّها مصرف لبنان عبر تعميمه المتوقَّع اليوم (يجري رصْد موقف الشركات المستوردة للمشتقات النفطية منه) تأتي على طريقة «طاقية الإخفاء» تحت عنوان «المؤامرة على العهد» (الرئيس عون) إما لإفشاله وإما لتدفيعه ثمن مواقفه «الجريئة» سواء في ما خص ملف النازحين السوريين والتواصل مع النظام السوري أو حق لبنان بالدفاع عن نفسه بالوسائل كافة بوجه اعتداءات اسرائيل، بما يعني ضمناً تغطية دور «حزب الله» وسلاحه.
وفيما كان مكتب الإعلام في القصر الجمهوري يوزّع تعميماً بمضمونِ مواد من قانون العقوبات بحق مرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة المالية، لم يكن عابِراً حرص قريبين من عون على وضْع أحداث يوم الأحد وانفلاشها في مناطق مختلفة عبر قطْع طرق واحتجاجاتٍ طالب بعضها بإسقاط النظام ورحيل الرئيس في إطار استهدافٍ ممنْهج للأخير بدأ إبان زيارته لنيويورك و«ما رافَقَها من إشاعات لتشويه صورته» وصولاً إلى «التحركات المفتعلة في الشارع والتي غذّاها وقود سياسي»، ملمّحة إلى أنه لن يصبر طويلاً عن هذا المسار وأن في جعبته خيارات عدة، ومؤكدة «أن الوضع الحالي هو نتيجة تراكمات سنوات والرئيس عون ليس مسؤولا عنها وهناك من يصب الزيت على النار لاستهدافه».
وعلى الموجة نفسها جاء كلامٌ من الولايات المتحدة لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي أعلن «أننا نمر اليوم بمرحلة اقتصادية صعبة وبمرحلة مالية أصعب معروفة فيها المسؤوليات، والوقت ليس مناسباً لنحددها سواء كان الجزء الداخلي منها المتراكم، او الجزء الخارجي المخطَّط له، او الخارجي والداخلي المتداخليْن، فيضعون لبنان في مرحلة شبه إفلاس ليكون ضعيفاً ويرضخ للحلول التي ستُفرض عليه».
وإذ لم يحدّد فريق عون المقصود بالجهات الداخلية الضالعة في «المؤامرة» وسط أسئلة عن تداعيات هذا المناخ الاستقطابي على المساعي المستمرة لكبْح جماح الأزمة عبر الأجندة الإصلاحية الموجعة المطلوبة والتي تحتاج إلى تضامن سياسي كبير، وسط ملاحظة الأوساط المتابعة أن الرئيس تعمّد أمس عبر مكتبه الإعلامي، نفي ما جرى تداوُله من معلومات نُسبت الى مصادر قريبة من قصر بعبدا حول «أن حل الأزمة الراهنة يكون باستقالة الحكومة»، مؤكداً «دور الحكومة في المرحلة الراهنة وضرورة تفعيلها»، في موازاة نفيه ما نُشر حول علاقة عون مع رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان أمس في باريس يشارك في مراسم وداع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وقد رصدتْ عدسات وسائل الإعلام تأثُّره البالغ ودموعه حزناً على الصديق الكبير للبنان (أعلن الحداد الرسمي) ووالده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.