كتب رنى سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:
مع صدور التعميم المُنتظر عن مصرف لبنان لتنظيم استيراد المحروقات والدواء والقمح، ظهرت ثغرات ومطبّات قد تتبلور تداعياتها أكثر في الأيام القليلة المقبلة، وهي في مجملها غير مريحة، وستؤدي حتماً الى ارتفاعات متتالية في أسعار السلع، والى وضع شاذ على المستوى المعيشي والاقتصادي.
أدّى تعميم مصرف لبنان، الصادر أمس، والذي أجاز للمصارف فتح اعتمادات من أجل استيراد المشتقّات النفطية أو القمح أو الادوية، الى ارتياح في سوق الصرف الثانوية، حيث تراجعت الاسعار الى 1540 و1550 ليرة مقابل الدولار، بعد أن بلغت مستويات قياسية الأسبوع الماضي تَخطّت 1600 ليرة.
لكنّ تعميم مصرف لبنان الذي دعمَ الأمن الغذائي للمواطن اللبناني في ظلّ التقنين القاسي للدولار، «شَرّع» وجود سوقَين متوازيَين لسعر صرف الليرة، ودفعَ كل القطاعات الأخرى (غير المَشمولة في التعميم) نحو السوق السوداء من أجل تأمين الدولارات، ممّا جعل التجّار يتساءلون: هل جاء هذا التعميم على حسابنا؟
قزي
في هذا الاطار، قال الباحث في جامعة هارفرد والخبير الاقتصادي، دان قزي، إنّ تعميم مصرف لبنان أجازَ للمصارف فتح اعتمادات بالدولار لمُستوردي المواد الاساسية في لبنان، وهي: المحروقات والادوية والقمح، من دون تحديد سقف معيّن وبالسعر الرسمي لليرة اللبنانية، علماً انه لم يذكر ذلك تحديداً، لكنه أوحَى به.
وأشار قزي لـ«الجمهورية» الى انّ التعميم أراحَ سوق الصرف الثانوية وخَفّض الطلب على الدولار حتّى قبل صدوره، لأنّ مستوردي المواد المشمولة بالتعميم، لم يُقدموا خلال الايام الماضية على شراء الدولار من الصيارفة بانتظار صدور تعميم مصرف لبنان، ما أدّى فعلياً الى تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار من 1600 الى حوالى 1540.
في المقابل، لفتَ الى انه في المدى البعيد، سيعود الضغط على الدولار، مع ارتفاع الطلب عليه في سوق الصرف الثانوية من قبل التجّار والمستوردين الآخرين الذين لم يشملهم التعميم، والذين لم يحصلوا على سعر صرف خاص بهم في المصارف التجارية، التي ما زالت ترفض فتح اعتمادات لهم بالدولار إذا لم تكن حساباتهم المصرفية أساساً بالدولار.
وقال قزي انّ هذا التعميم سيخلق سوقَين متوازيين، واحدة للضروريات وأخرى للكماليات. «وهو إجراء عادل يقوم به مصرف لبنان ضمن سياسة تقنين احتياطي البنك المركزي من العملات الاجنبية، التي تعطي الأولوية في الحصول على سعر الصرف الرسمي لليرة، للسلع الاساسية.
وفي الوقت نفسه، سيحفّز ذلك الطلب على الدولار في السوق الثانوية». وحول مواد التعميم، أوضح قزي أنها تفاصيل وضَعها مصرف لبنان للتأكد من عدم إتاحة أي فرصة أمام التجّار لعدم استغلال سعر الصرف الرسمي الذي يحصلون عليه لغايات أخرى من أجل تحقيق الارباح.
رمّال
في موازاة ذلك، وجد التجار والمستوردون للسلع غير المشمولة بتعميم مصرف لبنان، أنفسهم متضرّرين من قرار البنك المركزي، حيث سأل عضو لجنة القضايا الإنتاجية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمّال: اذا كان تعميم مصرف لبنان قد أمّنَ تمويل استيراد المحروقات والأدوية والقمح للقطاع العام والخاص، أي ما مجموعه حوالى 6,5 مليارات دولار (2 مليار دولار من المحروقات للقطاع العام و2 مليار دولار للقطاع الخاص، بالاضافة الى حوالى 1,5 مليار للادوية، ومليار دولار للقمح)، فكيف سيتم تأمين تمويل المستوردات الاخرى التي تصل قيمتها الى حوالى 13 مليار دولار سنوياً؟
وقال لـ«الجمهورية» انّ التجار والصناعيين وكافة قطاعات الخدمات التي تستورد من الخارج، سيكون عليها تأمين الدولارات من السوق الثانوية التي يتم تحديد سعر صرف الليرة فيها وفقاً للعرض والطلب. موضِحاً انّ المعروض من الدولار في السوق الثانوية لن يكون كافياً لتأمين اعتمادات القطاع الخاص في ظلّ رفض المصارف التحويل من الليرة الى الدولار.
ولفتَ رمّال الى انّ المصارف قامت منذ حوالى 7 أشهر بوَضع «كوتا» للتجار بالنسبة لقيمة الاعتمادات التي يحقّ لهم فتحها من أجل الاستيراد، «وهذه الكوتا حُدّدت على أساس خفض قيمة الاعتمادات التي حصل عليها كلّ تاجر خلال العام الماضي بنسبة 50 في المئة هذا العام، على أن يؤمّن التاجر 25 في المئة من قيمة الاعتماد بالدولار، ويتولّى المصرف تحويل الـ 75 في المئة المُتبقية».
وكشفَ انّ معظم الشركات تبلّغ أواخر الاسبوع الماضي بإلغاء تلك الكوتا، واشترطت المصارف على التجار تأمين 100 في المئة من قيمة اعتماداتهم من السوق الثانوية. وتخوّف رمال من أن يكون تأمين تمويل احتياجات قطاع المحروقات والادوية والقمح، جاء على حساب القطاعات التي ألغت المصارف الكوتا المعتمدة في فتح اعتمادات لها. وأشار الى انّ هذا الاجراء سيدفع كلّ من يريد الاستيراد الى تأمين الدولارات من السوق الثانوية، مما سيرفع الطلب على الدولار ويؤدي الى ارتفاع سعره مقابل الليرة. معتبراً انّ خطورة تلك العملية، في حال كانت «مقصودة» أو غير «مقصودة»، ستؤدي الى خفض القدرة الشرائية للمواطن لأنّ السوق الثانوية هي التي ستتحكّم بسِعر 60 في المئة من السلع المستوردة للاستهلاك المحلي.
وبالتالي، وفقاً لرمّال، سترتفع اسعار السلع بشكل تلقائي وفقاً للكلفة التي يتكبدّها كلّ تاجر في فارق العملة. وأوضح انّ كافة مؤسسات القطاع الخاص ما زالت تعتمد لغاية اليوم السعر الرسمي لليرة عند 1507,5 في عملية تسعير السلع، رغم انها تتكبّد منذ اسبوعين اكلافاً إضافية في شراء الدولار بأسعار تراوحت بين 1540 و1600 ليرة.
وأكد انه في حال واصَل سعر صرف الليرة في السوق الثانوية ارتفاعه ولم يستقرّ عند المستويات الطبيعية، فإنّ التجار مضطرّون للجوء خلال الاسبوع المقبل الى رفع الاسعار بنسبة 3 الى 4 في المئة (كلفة التحويل الى الدولار بسعر صرف عند 1550 ليرة)، وبنسبة قد تصِل الى 10 في المئة (كلفة التحويل الى الدولار بسعر صرف عند 1650 ليرة).
وفيما لفتَ رمّال الى انّ اسعار السلع في الاسواق ارتفعت أساساً جرّاء الرسم الجمركي بنسبة 3 في المئة، الذي فرضته موازنة 2019 على كافة المستوردات، والذي أدّى الى ارتفاع الاسعار في الاسواق بنسبة 5 في المئة، أكّد انّ التجار سيلجأون في حال استمرار أزمة الدولار الى إضافة كلفة تحويل الدولار على اسعار السلع، لتصِل نسبة الارتفاع الى 10 في المئة والى 20 في المئة في حال لحظت موازنة 2020 زيادة الـTVA على الكماليات. وفي النتيجة، ستنخفض القدرة الشرائية للمواطنين بنسبة 20 في المئة.