كتب يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط:
لا يقتصر التعميم الصادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية، أول من أمس، على تحديد المواد القانونية والعقوبات التي يمكن إنزالها بحق «مرتكبي جرائم النَّيل من مكانة الدولة المالية»، بل يؤشر بوضوح إلى «ملاحقات قضائية ستشمل كل مَن روّج لانهيار الليرة اللبنانية، وأوحى بوجود أزمة سيولة»، حسب مصادر مقرّبة من الرئاسة.
وأكدت المصادر أن «الدولة لن تسكت عن كمية الشائعات التي جرى ضخّها وتحدثت عن إفلاس مصارف، ووقف استقبال ودائع والتبشير بقرب انهيار العملة الوطنية». وتوعدت بأن «الملاحقات ستطال كلَّ من استهدف الاستقرار المالي في البلاد».
كان المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية قد ذكّر في التعميم بنصوص المواد القانونية التي تحظر «تلفيق وقائع أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية، أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة»، وبأن عقوبة هذه الجرائم «تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامات مالية».
وفسّر قانونيون هذا البيان بأنه «ضوء أخضر» للشروع بملاحقة وسائل إعلام وخبراء اقتصاد وناشطين، أبدوا آراءهم في الأزمة المالية الأخيرة. ولم تنفِ مصادر مقرّبة من قصر بعبدا وجود توجّه لـ«ملاحقة المتورطين في الإشاعات». وأكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن التعميم «موجّه لكل من أشاع أو روّج لانهيار الليرة عن قصد»، مشيرين إلى أن «رئاسة الجمهورية أرادت التذكير بأن المساس بالعملة الوطنية يعاقب عليه القانون، وكي لا يتذرّع أحد عند ملاحقته بأنه غير مدرك لأبعاد ما يقوم به». وأضافوا: «هناك كمية هائلة من الإشاعات التي تم الترويج لها، والتحدث عن مصارف على وشك الإفلاس، ومصارف لم تعد تستقبل ودائع ولا تدفع الأموال للمودعين، وكلام عن قرب انهيار الليرة، وهذا الجوّ السلبي خلق حالة من الذعر في البلد لا يمكن السكوت عنه».
تأتي هذه الإجراءات بالتزامن مع حالة من القلق والاضطراب من دخول لبنان في أزمة مالية، من جرّاء شح الدولار في الأسواق، وبيعه بأسعار مرتفعة في السوق السوداء ولدى الصرافين، وامتناع المصارف عن إجراء تحويلات من الليرة اللبنانية إلى الدولار. وإذ اعترفت المصادر المقربة من الرئاسة بهذه الوقائع، قالت: «لا نخفي وجود أزمة ناتجة عن تلاعب الصرافين بالأسعار، وضخّ الإشاعات الكاذبة التي تشكّل جريمة بحق العملة الوطنية»، معتبرة أن «الليرة ليست ملك (رئيس الجمهورية) ميشال عون أو (رئيس الحكومة) سعد الحريري أو (حاكم مصرف لبنان) رياض سلامة، بل ملك الشعب اللبناني، لذلك جاء التنبيه إلى أن القانون سيعاقب كلّ من تورط في الإشاعات وروج لها»، مبديةً استغرابها لأن «اقتصاديين وغير اقتصاديين شاركوا في ضخّ هذه الإشاعات التي ولّدت قلقاً لدى الناس». وشددت على أن «كل من يستهدف الوضع المالي لن يكون بمنأى عن المحاسبة». وكشفت أنه «بعد صدور هذا التعميم، اختفت 90% من الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي».
من جهته، رأى وزير العدل الأسبق إبراهيم نجّار أن هذا التعميم «يأتي في صلب الردود الصادرة عن القصر الجمهوري، على كل الروايات التي أوحت بإمكان تراجع قيمة الليرة اللبنانية». لكنه لفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى توقّع أن يكون تذكير رئاسة الجمهورية بالمواد التي تعاقب على ترويج الإشاعات «ناتجاً عن استفظاع أحداث الأحد والتحركات الشعبية».
وقال: «لا شكّ أن هذه الطريقة مستغربة في محاولة ردع البعض، لأن القانون لا يحتاج الناطق باسم رئاسة الجمهورية إلى التذكير به، وبما يحتوي من مواد وعقوبات، وكان الأحرى بالسلطات القضائية أن تقوم بهذا الإجراء وليس بيانات تصدر عن القصر الجمهوري»، لافتاً إلى أن البيان «يعبّر عن حسن نية من أجل السلامة المالية، ولتأكيد حرص رئاسة الجمهورية على الاستقرار العام».