كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
يعتبر قريبون من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ هناك من يعمد إلى تفسير كلامه ومواقفه على نحوٍ خاطئ، في إطار لعبة الاستغلال السياسية، مهما كانت أثمانها باهظة على البلد. بهذه «النيّة» فُسِّر كلامه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن التواصل مع سوريا لتشجيع عودة النازحين. وحُمّل هذا الكلام أبعاداً سياسية عدّة، فاعتُبر أنّه يصبّ في خانة السعي الى التطبيع مع النظام السوري وتهديد علاقة لبنان بدول عربية وغربية. عون يعي ترددات هذا الكلام من على أعلى منبر أممي. أمّا أبعاد موقفه وتداعياته فمختلفة كلياً عمّا يُسوَّق له من «نظريات»، حسب ما يؤكد مطّلعون على موقف الرئيس والخطوات التي يُمكن أن يتّخذها لتأمين عودة النازحين.
لا يكلّ عون من طرح ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، إن في خطاباته وكلماته أو خلال لقاءاته. بالأرقام، يُطلع الرئيس الذين يلتقيهم على تداعيات النزوح السوري على لبنان، ويطلب منهم الدعم لمعالجة هذه الأزمة التي تهدّد الكيان اللبناني.
وأمام الجمعية العمومية في دورتها الـ74»، قال: «كأني بالنازحين تحولوا رهائن في لعبة دولية للمقايضة بهم عند فرض التسويات والحلول، وهذا ما قد يدفع لبنان حكماً إلى تشجيع عملية العودة التي يجريها بالاتفاق مع الدولة السورية لحلّ هذه المعضلة التي تهدّد الكيان والوجود، لأنّ تجارب قضايا الشعوب المهجّرة في العالم وانتظار الحلول السياسية لا تطمئن أبداً».
هذا الكلام واضح بمنطلقاته وأبعاده، بحسب مطّلعين على موقف الرئيس، بعدما وضعه المجتمع الدولي أمام حائط مسدود، إذ لم يستمع الى نداءاته، كأنّه «لا حياة لمن تنادي». لذلك، أراد عون أن يكون موقفه من على أعلى منبر أممي بمثابة قرع جرس الإنذار، وتنبيه الدول، بالقول: «ساعدونا، فما زلنا نحترم الإرادة الدولية التي تطلب منا الانتظار، لكن لم يعد باستطاعتنا التحمُّل، وإذا استمرّ التعامل مع لبنان بلامبالاة فلسنا عاجزين عن الحديث مع السوريين وتنظيم عودة أبنائهم معهم، إذ إننا لن نقبل أن يبقى النازحون في لبنان الى الأبد وسنقوم بكلّ الإجراءات اللازمة لذلك».
أمّا الاعتراضات أو «المخاوف» الداخلية، فيعتبر عون أنّها مزايدات لن توصل إلّا إلى ما أوصلت إليه المزايدات في القضية الفلسطينية، إذ مرّ أكثر من 70 سنة وما زال اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وما زلنا ننتظر الحلّ السياسي. لذلك، يرفض عون انتظار الحلّ السياسي في سوريا الذي قد يتأخّر 10 سنين أو أكثر، فيما لبنان لا يملك ترف الانتظار.
موقف عون لا يهدف إلى تحقيق أغراضٍ سياسية، بل أغراض إنسانية، حسب ما تؤكّد مصادر قريبة منه، إذ حصر التواصل مع الدولة السورية في موضوع النازحين. وتشير إلى أنّ «هذا التواصل لن يؤدّي إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، إذ إنّ التطبيع يكون بين الخصوم، ولبنان غير متخاصم مع الدولة السورية، بل هناك أفرقاء لبنانيون يختلفون سياسياً مع سوريا، كذلك لا حرب بين الدولتين، بل حدود مشتركة وتمثيل ديبلوماسي». وتلفت إلى أنّ «هناك سفير لسوريا في بيروت وسفير للبنان في دمشق عيّنته الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، كذلك ما زال المجلس الأعلى اللبناني – السوري قائماً ولم يُلغَ في مجلس النواب، وهناك معاهدات بين لبنان وسوريا… وبالتالي العلاقات قائمة أساساً». وتذكّر أنّ الأمن العام اللبناني يُنسّق مع الجهات السورية لتأمين عودة النازحين. لذلك، إنّ التواصل مع سوريا في هذا الإطار، إذا حصل سيكون لمعالجة موضوع النازحين، ولن يُخرج لبنان عن سياسة «النأي بالنفس»، التي يتمسّك بها عون.
لكن أطراف لبنانية عدّة، تسأل: إذا حصل التواصل، كيف يؤمّن العودة وهي غير مرتبطة بإرادة النظام السوري فحسب، بل بإرادة النازحين، وهم بغالبيتهم يخافون العودة؟ تبعاً لإحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. بحسب رئيس الجمهورية، يهدف التواصل الى تأمين ضمانات من الدولة السورية للنازحين الموجودين في لبنان، ودعوتهم للعودة عبر إعلان رسمي وتحفيزات.
أمّا الخطوات التي يُمكن أن يتّخذها عون في هذا الإطار فهي كثيرة، حسب قريبين منه، فيُمكنه تكليف وزير لزيارة دمشق أو أن يزورها هو شخصياً أو أن يستقبل ضيفاً سورياً في لبنان… كذلك يمكنه زيارة الدول الفاعلة في هذا الإطار.
لم يترك عون أيّ وسيلة ديبلوماسية لحضّ الدول على تأمين عودة النازحين، وتوضح مصادر ديبلوماسية لبنانية، أنّ موقف عون يأتي بعدما لمس أنّ المجتمع الدولي يهتمّ بمصلحته ولا يبالي بمعاناة لبنان، فضلاً عن أنّ هناك تسوية مُعدّة لمنطقة الشرق الأوسط مطلوب من لبنان أن يصبر ويسكت الى حين تكتمل. وهذا ما يرفضه عون. كذلك، لم تنجح أيّ مبادرة جديّة في هذا الإطار، ومنها المبادرة الروسية، فحتى لو كان لدى الروس إرادة لترجمتها عملياً فهم لا يملكون الأموال، فيما أنّ الدول التي باستطاعتها تمويل العودة تربط هذه العملية برحيل الرئيس السوري بشار الأسد.
وإذ تعتبر بعض الجهات اللبنانية أنّ على وزارة الخارجية التواصل مع الدول العربية وإقناعها باستقبال النازحين الموجودين في لبنان بدلاً من تعريض علاقات لبنان بالدول المناهضة للنظام السوري للخطر، تشير المصادر الديبلوماسية إلى أنّ موقف الدول القادرة على استقبال النازحين من النظام السوري علني ومعروف، ولقد ساهمت في تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، ولا يمكن أن يمون لبنان عليها في هذا الإطار. وحتى الفاتيكان لم تنجح مساعيه في حضّ الدول الغربية على تأمين عودة النازحين، ولم تلقَ رسائله آذاناً صاغية.
هذه المعطيات دفعت عون إلى إعلان موقفه الأخير أمام دول العالم كلّها. وبعد أن أكّد عدم تراجعه أو سكوته، وأوصل الرسالة بأن لبنان يعاني، ينتظر تجاوب المجتمع الدولي، وإذا لم يتحقّق التجاوب سينتقل رئيس الجمهورية إلى اعتماد الإجراءات العملية، إذ هو يعتبر أنه كلّما تأخّر حلّ أزمة النزوح السوري كلّما زادت آثارها ومخاطرها على وجود لبنان. وعلى رغم أنّه يرى أنّ هذه القضية وطنية تعلو على أيّ اعتبارات أخرى، فحين تدقّ ساعة التواصل مع سوريا، ستُفتح الأبواب على الاعتراضات مجدداً، وسيواجه عون معركة موازية على الخطّ اللبناني – الداخلي.