كتبت لينا فخر الدين في “الجمهورية”:
يعيش كثير من الأهالي على أخبارٍ عن محاولات خطف أطفال يُقال انّها حصلت في أكثر من منطقة لبنانيّة. والمتابعون يحصون عشرات الرسائل الصوتيّة لنساء ورجال يروون حوادث مشابهة تعرّضوا لها، مؤكّدين وجود شبكات تخطف الأطفال. وقد وصل الأمر بالبعض أمس إلى تناقل رسالة صوتيّة نُسِبت إلى وزيرة الدّاخليّة والبلديّات ريّا الحسن، وتدعو فيها الأهالي إلى «الانتباه لأولادهم بسبب وجود مافيات اتجار بالبشر تعمل على خطف أطفال»! وعلى رغم من أنّ الصّوت ليس صوت الحسن ولا اللّكنة لكنتها، إلّا أنّ البعض كان يجزم بعكس ذلك دون الأخذ ببيان النفي الصّادر عن مكتبها.
كثيرٌ من الصّور المتناقلة لـ«خاطفي» أطفال طليقين، بالإضافة إلى وثائق رسميّة عن الأسماء الكاملة لمن يزعمون أنّهم أعضاء في شبكات متخصّصة بالإتجار بالبشر. إحدى هذه الصور كانت لرجلٍ وشقيقته من آل بلحص.
وأشارت هذه الرسائل، إلى أنّ دوريّة من مفرزة صيدا القضائيّة قبضت على الشقيق أ. ب. الذي اعترف بأنّه يعمل ضمن شبكة لبيع الأطفال، وضبطت في حوزته 5 بطاقات هويّة لأطفال من الغازيّة، فيما استطاعت شقيقته الهرب وما زالت القوى الأمنيّة تبحث عنها لتوقيفها.
تنفي مصادر قوى الأمن الدّاخلي أن تكون هذه الصّور صحيحة، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ جزءاً من هذا الخبر صحيح، بعدما قبضت دوريّة من مفرزة صيدا القضائيّة الأسبوع الماضي على شابٍ في العشرينيّات مطلوب بمذكرة توقيف صادرة في حقّه منذ مدة بجرم بيع أطفال، وضبطت في حوزته هويّات مزوّرة تخصّه شخصياً، لافتةً إلى أنّ «هذا الشاب لم يقم بأي عمل في هذا الإطار خصوصاً خلال المدّة الأخيرة، وهو الآن يخضع للتّحقيق».
تنطفئ «حادثة الغازيّة»، ليتمّ توزيع خبر آخر يثير ذعر الأهالي بمقدار أكبر: منشور على صفحة «فايسبوك» لإمرأة تدعى مايا أبي أنطون أبي عقل، تؤكّد أنّ ولديها البالغين من العمر 10 و7 سنوات قد تعرّضا لمحاولة خطف وهما ينتطران أمام منزلهما في بلدة المتين، الباص الذي ينقلهما إلى مدرستهما. وفي التّفاصيل، فإنّ سائق السيّارة الستيني، وبرفقة اثنين من جنسيّة غير لبنانيّة، طلب من الطّفلين أن يصعدا الى سيارته لينقلهما إلى مدرستهما من دون انتظار الباص.
وسريعاً، أطلعت أبي عقل بلديّة المتين على الموضوع لمراجعة الكاميرات في البلدة، بالإضافة إلى إبلاغ مخابرات الجيش وقوى الأمن الدّاخلي. 24 ساعة كاملة، بقي منشور والدة الطّفلين قبل أن تسحبه وتلفت إلى «أنّ الأمر ليس محاولة خطف وإنّما لا يعدو كونه «مزحة» من أحد أبناء المنطقة الذي يعرفنا»!
وإذا كان بعض أهالي البلدة يزعمون أنّ التراجع نَتَج من تمني بلديّة المتين بسحب هذه المعلومات من التّداول حتّى لا يُصار إلى خلق بلبلة داخل البلدة والبلدات المجاورة ويشوّه سمعة المنطقة، إلّا أنّ رئيس البلديّة زهير بو نادر ينفي الأمر، ويؤكّد أنّ «العكس هو الصحيح، فما إن علمنا بالحادثة حتّى تحرّكنا سريعاً، وطلبنا من أهالي المنطقة أخذ الحيطة والحذر والانتباه لأولادهم، قبل أن يتبيّن أنّ الموضوع هو عبارة عن مزحة».
وهذا أيضاً ما يؤكّده والد الطّفلين دافيد أبي عقل، الذي أشار إلى أنّه في اليوم التالي لما حصل مع طفليه، أصرّ على النزول معهما. وخلال انتظارهم لباص المدرسة، مر رجلٌ ستيني من البلدة فاختبأ ابنه، ودلّ بإصبعه إلى سيّارة الرّجل الذي أعاد ما قاله في اليوم السّابق للأطفال. حينها، تبيّن للأب أنّ الأخير كان قصده المزاح مع طفليه اللذين يعرفهما «ونحن نعرفه معرفة شخصيّة».
في المحصلة، لا شيء حتّى اليوم يؤكّد صحة ما يتمّ تداوله نقلاً عن مجهولين ومجهولات يختلقون أخباراً كاذبة عن محاولات خطف جرت أمامهم، باستثناء محاولة الخطف التي حصلت لأحد تلامذة مدرسة «ليسيه فردان»، الذي تلقّى مكالمة من والدته تطلب منه الاقتراب من الطّريق لأنّها ستصل في غضون دقائق إلى باب المدرسة، ليُفاجأ الفتى برجلٍ داخل سيارة «جيب» سوداء زجاجها حاجب للرؤية (فوميه) يقول إنّه قريبه، وأنّ والديه أرسلاه لينقله بسيارته إلى المنزل.
هذه الرواية هي الوحيدة التي تجزم قوى الأمن الدّاخلي بحدوثها، فيما البعض يشير إلى أنّ التّحقيقات قد تُظهر عدم دقّتها، تماماً كما أثبتت التّحقيقات عدم صحّة رواية الأم الأخرى من المدرسة نفسها التي أشارت إلى أنّها رأت إمرأة عجوزاً ترتدي عباءة سوداء تحاول خطف ابنتها بوضعها تحت عباءتها، ليتبيّن عند مراجعة الكاميرات أنّ طرف وشاح العجوز لفح وجه الطفلة ولم تكن هناك أي محاولة لخطفها!
قوى الأمن متأهّبة
وعلى رغم من ذلك، تبدو قوى الأمن الدّاخلي متأهّبة، ويتابع قائد شرطة بيروت العميد محمّد الأيّوبي القضيّة بتفاصيلها. ولذلك، أمر بنشر دوريّات حول المدارس، بالإضافة إلى إدخال كلّ المعلومات التي ترد إلى غرفة العمليّات في قوى الأمن الدّاخلي على برنامج الكتروني بهدف إجراء تقاطع بين المعلومات الواردة من كل الفصائل والتثبّت من صحّتها في حال ورودها.
وتؤكّد مصادر قوى الأمن عدم حصول أي محاولة خطف في بيروت أو في أي منطقة لبنانيّة، «باستثناء حادثة «ليسيه فردان» التي نحقٌّق في تفاصيلها ونعمل على سحب «داتا» الكاميرات المُثبتة في الشوارع المجاورة».
وفي السياق نفسه، يدعو منسق الشؤون الماليّة في اتحاد «لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة» محمود قطايا، إلى أخذ الحيطة والحذر. وتشير احدى القانونيات في «اتحاد اللجان» المحامية ملاك حميّة إلى أنّ وسائل الإعلام تُضَخِّم بعض الحوادث ما يزيد الذعر لدى الأهالي»، لافتةً إلى أنّ «المهم اليوم هو توعية الأهالي».