بعد أكثر من 14 عاماً على الانسحاب السوري من لبنان، أثبت اللبنانيون أنهم غير قادرين على حكم أنفسهم، وعلى الأقل بموجب دستور الطائف. ومنذ “الطائف” وحتى اليوم مرت 3 عهود ونحن نعيش في ظل العهد الرابع، والمعاناة من النظام هي نفسها.
يرفض الكثيرون الاعتراف بمشكلتنا. قبل العام 2005 كان الاحتلال السوري هو المرجع لحل كل الخلافات وليس الدستور، لا بل كان الحل معظم الأحيان على حساب الدستور. وبعد الـ2005 ظهرت كل العورات مجتمعة والتي أظهرت ان لبنان مؤلف من مجموعة قبائل متناحرة لا تتفق سوى على تقاسم الحصص ونهب الدولة لمصالح طائفية وحزبية ضيقة.
عملياً لا مكان ولا مكانة للدستور في حياتنا الوطنية والسياسية، وحين يرغب البعض بالعودة إلى الدستور يتبيّن أنه غير حاسم ويغرق كل طرف في تفسيراته المتناقضة، وهذا ما نتوقعه من جلسة مجلس النواب في 17 تشرين الأول التي ستناقش رسالة رئيس الجمهورية، والذي طلب فيها من المجلس تفسير المادة 95 من الدستور. (ملاحظة لا بد منها وهي ان المجلس النيابي كان سلب حق المجلس الدستوري بتفسير مواد الدستور لتحتفظ الكتل النيابية بتفسير الدستور حسب مصالحها السياسية).
تخيلوا مثلا للحظة عدد المواد الدستورية التي ترفض الأطراف السياسية تطبيقها، بدءًا من حل الميليشيات وسحب السلاح، مروراً باللامركزية الإدارية الموسعة وليس انتهاء بإلغاء الطائفية السياسية. ولن أنسى طبقا قانون الانتخابات الذي نصّ عليه “الطائف” أن يعتمد المحافظة كدائرة انتخابية بعد إعادة النظر بالتقسيم الإداري، أي بعد تصغير المحافظات، في حين نرى اليوم طروحات ومزايدات للمطالبة بلبنان كدائرة انتخابية واحدة خلافاً للدستور!
أما الطامة الكبرى فتتمثل بأن الأطراف السياسية قضت على المبدأ الدستوري الأساس القائل إن لبنان جمهورية برلمانية ديمقراطية، وحولتها إلى اجتماع عشائر تحت مُسمّى الديمقراطية التوافقية التي غيّبت النظام البرلماني الديمقراطي والمحاسبة والمساءلة.
في اختصار نحن نعيش في كنف نظام سياسي لا يقدّم أي حلّ لكل المشاكل التي يعاني منها لبنان، وهذا ما سمح بتفاقم المشاكل إلى درجة مخيفة تهدد بانهيار الدولة. صحيح أن ثمة مشاكل كبرى في الأداء السياسي، لكن الثابت هو أن الدستور الحالي، دستور”الطائف” لم ينجح في أن يشكل مرجعية حاسمة لجميع اللبنانيين، وبالتالي بات من الضروري إعادة النظر فيه للتوصل إلى نظام سياسي ودستور متكاملين، يحفظان التعدد في لبنان ويكونا كفيلين بأن يؤسسا لدولة مرجعياتها ولضحة، والصلاحيات والمسؤوليات فيها واضحة وإمكانية المحاسبة فيها تكون متاحة وليس معطلة وفق الدستور.
قد يجيب أحدهم بأن التوقيت غير مؤاتٍ وأن توازن القوى يجعل من الصعب البحث في دستور جديد في معادلات الأمر الواقع القائمة. وقد يكون محقاً في جوابه، ولكن فلنعترف على الأقل بأن دستور الطائف فشل فشلاً ذريعاً وبات يحتاج إلى إعادة نظر شاملة في أقرب فرصة ممكنة.