اذا استمعنا الى المواقف التي أطلقها المقرّبون من العهد، ومن سيّده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحديدا، في الآونة الاخيرة، يتبين أن ثمة قناعة راسخة بأن ما حصل في الايام القليلة الماضية “نقديا”، هو جزء من مؤامرة حيكت ضد لبنان وضد القصر الجمهوري لإضعافهما وتطويقهما بضربة “المال” والليرة، وصولا ربما الى إسقاطهما… وقد قدم كلام رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل من كندا، أسطع دليل الى قراءة الفريق الرئاسي المستجدات الاخيرة على انها “مفتعلة ومقصودة “.
حيث قال “تغلّبنا على اسرائيل وعلى الارهاب ونتغلب على كل الفتن التي ترمى على ارضنا، والان هناك فتنة جديدة تحضّر هي فتنة الاقتصاد”، مضيفا “صحيح ان هناك مسؤولية على الدولة لكننا نتعرض لضغط خارجي، سواء في اقتصادنا او عملتنا اللبنانية ولا سيما ان هناك شركاء بالداخل يتآمرون على البلد واقتصاده”، مضيفا “اقول لكم نعم، نمر بايام صعبة لكننا سنفشل المؤامرات والفتن التي تحاول مسّ ليرتنا واقتصادنا”. ورأى ان “أسهل شيء فبركة الامور والمشكلة لدينا انّ من يعملون على التخريب من الداخل لا يزالون يتبعون لاجندة خارجية ظناً منهم ان هذه الاجندة ستربحهم بالداخل”… الحلقة اللصيقة بالرئيس عون، السياسية منها والاعلامية، تحدثت بالمباشر تارة، وبالتلميح المبطّن طورا، عن دور للفريق الاميركي- السعودي في المنطقة، في ما جرى، وذلك ردا على مواقف رئيس الجمهورية من نيويورك، وعلى مقاربته لملف حزب الله وسلاحه. وقد اعتبر اهل هذا الرأي ان رئيس الحكومة سعد الحريري مُستهدف ايضا من قبل الثنائي الاميركي- السعودي، بسبب تراخيه مع الحزب وعلاقة الشراكة التامة والمطلقة الآخذة في التوسع بينه وبين رئيس الجمهورية، على حساب حلفائه في قوى 14 آذار.
فإذا كان هذا التحليل سليما وصحيحا، تقول مصادر سياسية لـ”المركزية”، ماذا فعلت الدولة لإحباط المخطط الفتنوي “اقتصاديا”؟ هل قامت بواجباتها في الفترة السابقة؟ لا، تجيب المصادر. ما يعني انها، فتحت بنفسها الباب امام المتربّصين شرا بلبنان. والحال، ان تنبيهات عدة وصلت الى المسؤولين اللبنانيين من قبل اكثر من عاصمة غربية “صديقة” بالاسراع بالاصلاحات وبضرورة اخذ خطوات لانقاذ الوضع الاقتصادي من انهيار محتّم اذا استمر نمط الادارة السائد. لكن وبدلا من الانكباب على هذه الورشة الانقاذية، غرقت البلاد بمناكفات سياسية عطّلت عمل مجلس الوزراء لاسابيع (اثر حوادث قبرشمون)، على وقع سجالات سياسية وتقاذف مسؤوليات بين سكّان البيت الحكومي الواحد، لا تزال مستمرة حتى اليوم، وآخرها بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. وتذكّر في هذا المجال بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بُحّ صوته وهو يحذر المسؤولين من تداعيات اقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون تأمين موارد، مقترحا تقسيطها على مدى 3 سنوات لعدم بلوغ الازمة الراهنة. غير ان المصالح السياسية-الانتخابية آنذاك تفوقت على نصائح أهل الخبرة لمصلحة “الكراسي”.
واذ تقول ان مسارعة الحكومة الى وضع الورقة الاقتصادية التي أقرت في القصر الجمهوري مطلع ايلول الماضي، موضع التنفيذ، كفيلة باسقاط المشاريع التي تريد استهداف العهد، تدعو المصادر الى النظر الى الوجه الثاني لهذه “العملة”. فتسأل “لو كان السيناريو صحيحا، فما هي أهدافه؟ هل يريد الاميركيون والسعوديون إحلال الفراغ والفوضى مجددا في لبنان؟ ولأية أهداف؟ علما ان الطرف الاقوى لبنانيا اليوم هو حزب الله! كما ان الشغور الرئاسي سابقا انتهى الى انتخاب العماد عون رئيسا برضى الرياض، والمعطيات والتوازنات المحلية- الاقليمية – الدولية قد لا تتيح الاتيان برئيس أقرب الى محورها اليوم. فأي مصلحة للمملكة وأميركا، باسقاط العهد اليوم؟