كتبت إيفون صعيبي في “نداء الوطن”:
أدى عجز ميزان المدفوعات وتدنّي الاحتياطي لدى البنك المركزي بالاضافة الى تراجع الودائع بمستويات غير مسبوقة الى تخفيض تصنيف لبنان الائتماني وبالتالي ارتفاع وزيادة نسب الفوائد على قروض الاسكان. لكن في المقاييس العالمية، هنالك حد أدنى من القواعد العلمية، ففي ظل الانكماش والركود لا تعتبر زيادة الفوائد على القروض عموماً وقروض الاسكان خصوصاً قراراً سليماً؛ فالمطلوب العكس تماماً!
في ظلّ الاوضاع من المتوقع ان تجد بعض العائلات نفسها مضطرة الى عدم الاستمرار بتسديد اقساطها الشهرية التي تقتطع حوالى نصف مدخولها.
“نورا” على سبيل المثال، أمّ وموظفة في إحدى الشركات المتوسطة التي تؤمن لها راتباً شهرياً 2200 دولار. كانت “نورا” تخصص 1370 دولاراً للقسط الشهري كسند عن القرض السكني من مصرف تجاري خاص. ومع زيادة الفوائد، اصبحت الدفعة الشهرية 1710 دولارات. تروي “نورا” ما حصل معها فتقول: “إن موظف المصرف اتصل بها وطلب منها الحضور لتوقيع عدد من الاوراق المتعلقة بقرضها السكني وهكذا فعلت. لم يتم اعلام نورا بمحتوى المستندات الجديدة لتكتشف بعد اكثر من شهر ان الفوائد على قرضها بالدولار قد ارتفعت بشكل مُستغرب”.
اما “ألبيرت”، موظف اداري في احدى الوزارات، فكان يخصص 2 مليون و500 الف ليرة شهرياً كسند للقرض السكني المدعوم الذي يقوم بتقسيطه. منذ شهرين تفاجأ ومن دون أي انذار مسبق ان دفعته قد زادت 75 ألف ليرة. يقول ألبيرت في حديث لـ”نداء الوطن”: “لقد طفح الكيل من احادية القرارات التي تتخذها المصارف المحمية من مصرف لبنان غير الآبه للأوضاع القاتمة التي وصلنا اليها بسبب السياسات المالية والنقدية الفاشلة”.
في العام 2017 تقدم “رولان”موظف مبيعات في احدى شركات السيارات بطلب قرض للاسكان ووقع على كل المستندات والاوراق اللازمة. يقول: “أواخر العام 2018 اتصلوا بي للتوقيع على تعديل على الفائدة. في العقد الاول كانت الفائدة محددة. أما في العقد الثاني فهي متحركة وغير ثابتة. حتى الساعة لا أعرف النسبة التي ستبلغها الزيادة. راجعت المصرف مراراً لكن الموظف المسؤول أعرب عن عدم علمه بما قد يُقرر. برأيي لقد كذبت المصارف وغشت الناس عندما استدعت المقترضين للتوقيع على تعديل قالوا انه مجرد اجراء عادي ليتبين في ما بعد انهم حولوا الفوائد من ثابتة الى متحولة”.
عن الموضوع، وعن كيفية استغلال وانحراف سياسات الاسكان عن اهدافها الاجتماعية والاقتصادية، يوضح الاستراتيجي في اسواق البورصة جهاد الحكيّم أن “العام 2013 وصل بعض القروض المدعومة الى 800 مليون ليرة للشقة الواحدة وبعضها تخطى عتبة المليار ليرة. آنذاك كان معدل القرض المدعوم من المؤسسة العامة للاسكان حوالى 180 مليون ليرة. كان من الممكن الاستفادة من القروض المبالغ فيها وتقسيمها على 5 عائلات. من هنا بوسعي القول ان المعنيين لم يسعوا لدعم قطاع السكن وانما القطاع العقاري وتحديداً المطورين العقاريين”.
ويضيف الحكيّم: “لقد حذّرت منذ ذلك الوقت انه اذا استمر الوضع على ما هو عليه سيتوقف دعم قروض الاسكان والتي تعتبر ايراداتها محدودة. وقد تم التفريط بهذه الموارد لدعم المطورين العقاريين ودعم الفقاعة العقارية والنتيجة؟ دفع الثمن من هم بحاجة ماسة الى هذه القروض. فلو لم يدعم مصرف لبنان القطاع العقاري لانخفضت الاسعار أو بالأحرى لصُحّحت. ولم يتم التفريط بالايرادات لكان من الممكن دعم الشباب الباحثين عن سكن لائق”.
ويتابع الحكيّم: “في العام 2016 وبعد استنزاف جزء من احتياطاته وموارده، كان لا بد للمركزي ان يختار إما دعم الليرة او الاستمرار بدعم القطاع العقاري. كنت اعتبر ان الاسكان هو اكثر قرض عادل لاعتباره مخصصاً للناس الاكثر حاجة. لذا لا يجب ان ترتبط فوائده على غرار بقية القروض بـ”مؤشر فوائد بيروت (Beirut Reference Rate)”.
الفوائد في لبنان متحركة اي انها ليست ثابتة. يمكن تبرير التفاوت في زيادة نسب الفوائد على القروض السكنية بالنظر الى المؤشر الذي اعتُمد لدى توقيع العقد. ليس هناك من مؤشر موحد لهذه السوق وتختلف نسب الفوائد بحسب مؤشر مصرف لبنان، او مؤشر سندات الخزينة أو الـBRR (مؤشر فوائد بيروت).
في هذا السياق يوضح مصدر مطلع ان”مصرف لبنان هو الجهة المنوطة اقرار الزيادة على فوائد القروض السكنية مدعومة كانت أم غير مدعومة، الا ان بعض المصارف يتصرف في بعض الاحيان بشكل اعتباطي. من حيث المبدأ، يقرر المركزي زيادة الفوائد بناء على توفر الدولار او عدمه. لم تلحظ القروض المدعومة الخاصة بالمؤسسة العسكرية والقوى الامنية والقضاة اي زيادة على الفوائد. لكن تلك القروض التي استفادت من احتياطي المصارف التجارية لدى مصرف لبنان والتي سمح المركزي باستعمالها فتأثرت بنسب ضئيلة جراء ارتفاع معدلات الفوائد. أما القروض المأخوذة على اساس قيمة سندات الخزينة (والتي ارتفعت الفوائد عليها) فقد شملت زيادة على فوائدها، في حين ان تلك التي ترتكز الى الـBRR لا سيما تلك التي بالدولار فقد لحظت زيادة مرتفعة”.
ما بين أسعار الاصول والفوائد علاقة عكسية اي كلما ارتفعت نسب الفوائد انخفضت قيمة الاصول ومن ضمنها العقارات.
لم تتوقف نسب الفوائد عن الارتفاع رغم ان الفيدرالي الاميركي بدأ منذ فترة مرحلة تخفيض فوائده. كان من الاجدى من وجهة نظر عدد من الاقتصاديين، ان يتم خفض الفوائد في لبنان واقتناص هذه الفرصة الذهبية لذلك. من هنا تستغرب اوساط متابعة اللجوء الى زيادة الفوائد على قروض الاسكان. ففي الوقت الذي كان من الضروري بدء مسار التخفيض، جاء تعميم مصرف لبنان لدعم الاسكان بزيادة الفوائد.
أما عن أزمة الدولار وزيادة الفوائد، فتؤدي حتماً الى ارتفاع خدمة الدين وبالتالي تفاقم عجز الخزينة. وقد أشارت وزارة المال إلى أنها تتحضر لإصدار سندات يوروبوندز بقيمة 2 مليار دولار نهاية تشرين الاول الجاري. وأشارت إلى أنها ستستخدم جزءاً من حصيلة الإصدار لسداد قرض يصدره مصرف لبنان لمصلحة الحكومة. ولا بد من الاشارة الى انه مع أي إصدار جديد لليوروبوندز يتوجب دفع فوائد تكون بالدولار وهذا ما يزيد الضغط على العملة الخضراء. أي انه ومع كل زيادة للدين الخارجي نلتمس الحاجة الى الدولار اكثر. وكأن لا يكفي المواطن تآكل قدرته الشرائية نتيجة الزيادة العشوائية للضرائب التي أتت بها موازنتا 2018 و 2019 والتي طاولت السلع الاستهلاكية الاساسية، والتي فاقمتها أزمة الدولار في الأيام الأخيرة. فوجود سعرين لسعر الصرف، سوف يقود حتماً الى ارتفاع أسعار سائر المواد التي لا يشملها تدبير مصرف لبنان الأخير بشأن تمويل الدواء والقمح والمحروقات. وبهذه الطريقة يتم تمويل العجز من جيوب المواطنين مباشرة الذين يجدون انفسهم ملزمين بتسديد نسب فوائد مرتفعة على قروضهم وأسعار مشترياتهم بينما تُسحب منهم القدرة حتى على الاعتراض.