كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:
أصدر مجلس تأديب القضاة قراراً بحقِّ قاضٍ «ادّعت» عليه هيئة التفتيش القضائي، من ضمن الحملة التي عُرِفت باسم حملة مكافحة الفساد في القضاء. القرار هو الثالث من نوعه، لكنه جاء مختلفاً عن القرارين السابقين اللذين قضيا بطرد قاضيَين. ففي القرار الجديد، اكتفى مجلس التأديب بتوجيه اللوم للقاضي. هذا القاضي هو المحامي العام في جبل لبنان رامي عبد الله الذي كُفّت يده عن العمل، من ضمن خمسة قضاة أوقفوا عن العمل تبعاً للتُّهم التي نُسِبت إليهم والأدلة التي ضُبطت وإفادات سماسرة موقوفين على خلفية التحقيقات التي أُجريت في فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وتلك التحقيقات قيل إنها أدت إلى الاشتباه في تورط عدد من الموقوفين المدنيين والمساعدين القضائيين والقضاة بجرائم رشوة واحتيال وتدخّل بعمل القضاء وصرف نفوذ واستغلال سلطة. يومها، أي قبل نحو سبعة أشهر، استند قرار هيئة التفتيش القضائي الى إفادة الشقيقين إيلي وخالد ب. اللذين ذكرا أنهما على علاقة وطيدة بالقاضي عبد الله، ويترددان معه يومياً إلى عدد من المطاعم. وذكر أحدهما أنّه أهداه علبة سيجار، مدّعياً أنّه كان يراجع القاضي بطلب من أصدقائه ومن كل من له شكوى، للطلب إلى القاضي التوسّط لدى القضاة والإسراع في بتّ إخلاءات السبيل أو استرداد مسدسات مضبوطة. وذكر الموقوف خالد ب. أنّه أعطى القاضي هدية كناية عن قلم من الذهب ومحفظة جلدية ثمنها ٨٧٠ دولاراً ومسبحة ذهبية ثمنها ١٢٠٠ دولار سُلّمت الى القاضي في مكتبه. كذلك توسّط أحد الموقوفين لدى مديري أحد المنتجعات السياحية لتقديم زجاجتَي شمبانيا وصحن فواكه وحلويات للقاضي من دون قبض ثمنها!
هذه الادعاءات أنكرها القاضي عبد الله، لكنه لم ينفِ معرفته بالأخوين، وتلبيته أحياناً دعواتهما للعشاء. غير أنّ هيئة التفتيش لم تأخذ بكلام القاضي، معتبرة أنّه لا مصلحة للموقوفين بإلادلاء بإفادة كهذه لكون العلاقة بينهم قائمة على قدم وساق وغايتهم إرضاؤه. ورأت أنّ مثل تصرفات القاضي هذه تشكّل خفّة في التعاطي وخروجاً عن موجبَي الترفّع والتحفّظ الملزم بهما القاضي في علاقته مع الآخرين، ويجعل من هذه الأعمال خرقاً فادحاً وإخلالاً بالواجبات الوظيفية، ما يُعرّضه للمساءلة التأديبية. وقررت الهيئة إحالة القاضي عبد الله على المجلس التأديبي الخاص بالقضاة ورفع اقتراح إلى وزير العدل لوقف القاضي عن العمل.
مرّت سبعة أشهر، كُفّت خلالها يد القاضي عبد الله عن العمل، رغم أنّ أيّاً من الادّعاءات المسوقة ضده لم تثبت صحتها، باستثناء لقائه دورياً بالشقيقين المشتبه فيهما. وبعد المحاكمة من قبل مجلس التأديب، بُرّئ القاضي الذي أبرز أمام المجلس قرارات قضائية تُثبت عدم صحة ما أدلى به الشقيقان بحقه. فعلى سبيل المثال، ذكر أحدهما أن القاضي أصدر قراراً قضائياً لمصلحة احد معارفهما، ليتبيّن بالدليل أن قاضياً آخر، غير عبد الله، هو الذي أصدر القرار.
وبناءً على المحاكمة، قرر مجلس التأديب تبرئة القاضي عبد الله من التهم المسوقة ضده بقبض رشى. هذا القرار رأت فيه مصادر قضائية ضربة لحملة التفتيش القضائي التي يبدو أنها لم تكن بالمستوى المطلوب. فالهيئة اعتمدت اعتماداً كليّاً على تحقيقات فرع المعلومات، من دون أن تُجري تحقيقها الخاص لتخلُص إلى وقف قاضٍ عن العمل من دون وجود أي دليل صلب لإدانته، باستثناء إفادة موقوفين مشتبه فيهما، تمكّن القاضي من إبراز ما يدحض أقوالهما.