يدرك من يتابع مواقف رئيس ووزراء ونواب وقياديي الحزب التقدمي الاشتراكي كافة، لاسيما في الايام الاخيرة، ان الامور ليست على ما يرام مع العهد وفريقه، وان تسوية ازمة قبرشمون حَلَت عقدة تعليق العمل الحكومي، غير ان نتوءاتها ما زالت حاضرة بقوة في الميدان الدرزي وفي النفوس “الاشتراكية” وفق ما يتبين من مضمون المواقف “اللاذعة” التي تميز تغريداتهم. صحيح ان حادثة قبرشمون بذيولها وتفاعلاتها وتشنجاتها التي لم تسحب التسوية فتيلها، الا جزئيا، تغيب عن المواقف بيد انها موجودة بقوة في خلفياتها وكامنة في اللاوعي الاشتراكي، ما دامت المعالجات والاجراءات القضائية تعتمد حتى اللحظة سياسة “الصيف والشتاء تحت سقف واحد”.
“انتينات” رئيس الحزب وليد جنبلاط التي دعاه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يوما ما لـ”تزبيطها” ترصد ذبذبات غير مريحة عبر موجة البث “العونية” تتناقض مع “ما يطلبه المستمعون الاشتراكيون”، واستهدافا ممنهجا للتقدمي يتبدى في سلسلة الملاحقات القضائية في حق ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصل بعضها الى اصدار مذكرة توقيف في حق احدهم وهو سلطان منذر الذي أُوقف من قِبل القضاء المختص أي النيابة العامة التمييزيَّة، بعد التحقيق معه من قِبل المباحث الجنائيَّة، وأحيل إلى القاضي المنفرد الجزائي، فيما اوقفت مخابرات الجيش كمال خدّاج وأُحيل ملفه إلى المفوّض الحكومي الذي اعتبر أن لا صلاحيَّة له للنظر في قضايا مماثلة، وأحال الملف مجدداً إلى النائب العام الاستئنافي. كما استدعي في الساعات الاخيرة شاب آخر من مناصري الاشتراكي، جميعهم على خلفية منشورات على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت “انتقادات للأوضاع الاقتصاديَّة والمعيشيَّة في البلاد”.
صحيح انها ليست المرة الاولى التي يَستدعي القضاء ناشطين أو صحافيين بسبب رأي ينُشر عبر مواقع التواصل او وسائل الإعلام، فقد سُجَّل أكثر من 35 انتهاكاً للحريات الإعلاميَّة في لبنان خلال فترة زمنيَّة قصيرة، الا ان الجديد ان الاستدعاءات الاشتراكية اعقبت التعميم الرئاسي الذي صدر نهاية ايلول الماضي المستند الى نصّ المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدد ماهيَّة النشر، والمادتين 319 و320 من القانون نفسه، التي تحدد العقوبات التي تنزل بمرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة الماليَّة، الى جانب كل من روّج لانهيار الليرة اللبنانيَّة وأوحى بوجود أزمة سيولة”.
والى مواقف جنبلاط ومسؤولي الحزب المركّزة على رفض قمع الحريات، تسأل مصادر في الحزب الاشتراكي عبر “المركزية” عما اذا كان لبنان يتجه تدريجيا نحو دولة بوليسيَّة يعلم القيّمون عليها انها لا يمكن ان تصبح واقعا في بلد الحريات وان لا مكان لمن يسعى الى تضييق مساحة التعبير وقمع الحريات، خصوصا ان لدى الحزب الاشتراكي حساسية مفرطة تجاه هذا الموضوع ولطالما وقف في مواجهة اساليب القمع وكم الافواه، فكيف بالحري اذا كان القمع على خلفية تعبير مواطن عن ألم يتشارك فيه جميع اللبنانيين بمن فيهم من يناصرون العهد القوي بسبب ضيق الحال وبلوغ الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية حدا لم يعد اي كان قادرا على تحمله. واستغربت كيف ان الاستدعاءات تستهدف فئة واحدة حتى الساعة هي الحزب الاشتراكي، قائلة ان بعض اهل السلطة وعوض ان ينبري الى البحث عن العلاجات لاوضاع البلاد المهترئة التي تدفع الناشطين الى التعبير عن وجعهم، يوعز الى النيابات العامة لملاحقة هؤلاء.
فهل يكتفي الحزب بمواقف قيادييه وتغريداتهم اليومية ام ينتقل الى مربع جديد يخرجه من دائرة الاستهداف؟ تؤكد المصادر ان الدوائر المعنية ترصد تطور الامور والمنحى الذي تسلكه الملاحقات، فإذا ما تبين انها ماضية تصاعديا فإن الحزب سيكون له رأي ويحدد خيارات واجراءات تضع حدا لمحاولات كمّ الافواه وتحويل لبنان الى دولة بوليسية، تدفع نحوها سياسات بعض المسؤولين والوزراء الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي ويدفعون بسياساتهم المتهورة هذه، البلاد نحو الانهيار.