Site icon IMLebanon

التعاقد والتفرّغ والملاك في “اللبنانية”: هل تُتخذ القرارات الجريئة؟

كتب داوود نوفل في صحيفة “الأخبار”:

ينتظر ملفا التعاقد والتفرغ في الجامعة اللبنانية قرارات جريئة من رئيس الجامعة ومجلسها عبر إعلان صريح بوقف التعاقد الجديد في الجامعة إلى أجل غير مسمى، إلى حين إنجاز ملف التفرغ الذي ينهي معاناة للبعض امتدت لأكثر من 15 عاماً. وفي حال وجود شواغر مثبتة في بعض الكليات، يمكن توزيعها على الأساتذة في الملاك والتفرغ، بناء على قرار مجلس الجامعة 2000/927 الذي لم يضع سقفاً لأنصبة الأساتذة في الجامعة بكل رتبهم. كما أنّه يمكن توزيعها على المتعاقدين الحاليين، علماً بأنّ كثيرين من هؤلاء يعانون من عدم إعطائهم نصاباً كاملاً يؤهلهم للتفرغ، أو عدم إسنادهم الحد الأقصى من الساعات، بحسب تعاميم رئاسة الجامعة، وذلك من دون إجابات مقنعة من المجالس الأكاديمية المعنية.

في الواقع، تنقسم الهيئة التدريسية في الجامعة إلى ثلاث فئات: أستاذ الملاك، المتعاقد بالتفرغ، والمتعاقد بالساعة. تتساوى هذه الفئات الثلاث في الواجبات، لكن تختلف في الحقوق المكتسبة من التقديمات المادية والصحية والاجتماعية. الأستاذ في الملاك يُعين بمرسوم، والأستاذ المتفرغ هو متعاقد بعقد سنوي قابل للتجديد، وهما يتقاضيان راتباً شهرياً ثابتاً ويستفيدان من تقديمات صندوق تعاضد أساتذة الجامعة، أما المتعاقد بالساعة فيتقاضى فقط أجر الساعات المنفذة بحسب العقد المبرم مع الجامعة، وهو محروم من كل الضمانات الاجتماعية والصحية، ما يجعله من الفئات المظلومة في إنتظار تفرغه.
ويُعد ملف التعاقد من المشاكل المزمنة، ويؤثر في انتظام العمل الأكاديمي والإداري في الجامعة. فالأعداد تتكاثر بصورة غير مبررة نتيجة الشواغر المعلنة والمنفوخة، وأحياناً عدم الدقة والموضوعية في وضع أنصبة الأساتذة. وكل التعاميم الذي كانت تصدر عن رئاسة الجامعة بشأن آلية وضع الأنصبة والأصول الواجب اتباعها، كانت تُضرب ولسنوات طويلة عرض الحائط نتيجة هيمنة الأحزاب على المجالس التمثيلية المخولة البت في أمور التعاقد، إذ أنّ سياسة المحاصصة بينها كانت تفرض لوائحها. لذلك بدل أن يحمل الحائز الدكتوراه ملفه الشخصي ليتكل عليه في المنافسة، فإنه يتوجه إلى المكاتب التربوية للأحزاب لتسجيل اسمه على اللوائح الموعودة، كي يحظى بعقد في الجامعة.
في السابق، لم تكن وظيفة الأستاذ الجامعي تستهوي الكثيرين نظراً لتدني قيمة الراتب، لكن الشهية ازدادت مع تحسن هذه القيمة، حتى جاءت سلسلة الرتب والرواتب الجديدة عام 2012، لتعلن الاحزاب الجامعة ساحة مفتوحة وسائبة للتوظيف السياسي والطائفي، ولتجد في هذا التوظيف مساراً هاماً لكسب الولاءات وتعليب الأساتذة، ممن يُفترض أن يكونوا نخبة هذا المجتمع على كل الصعد. وضعت الأحزاب يدها على الجامعة وتقاسمتها بحسب المكان الجغرافي، وصار يقال جهاراً ومن دون استحياء إنّ هذه الكلية مطوّبة لهذا الحزب أو ذاك. ولم يكن ليحصل ذلك لولا أنّ أهل الجامعة كانوا إما مشاركين وإما راضين. اصطف الطامحون منهم على أبواب السياسيين، يؤدون لهم الخدمات في كل مفاصل الجامعة، وجعلوا أنفسهم ممراً آمناً لادخال متعاقدين جدد، بحسب اللوائح الحزبية.

لقد نص المرسوم 9084 في العام 2002 وتعديلاته على الأصول والقواعد الواجب اتباعها في التعاقد في الجامعة اللبنانية، وفيه آليات شفافة وضمن مهل زمنية محددة يجب احترامها، إن في الإعلان عن الحاجات وتقديم الطلبات ودراستها، أو في تشكيل اللجان وآلية عملها وإعلان النتائج وإجراء العقود. وعندما وضع المشرّع هذا القانون، فإنه أراد أن يأتي إلى الجامعة بأفضل الطاقات التعليمية والبحثية. لكن الآليات لا تُحترم، بل إنّ هناك تعمداً في الكثير من الكليات في التأخير في إعلان الشواغر حتى يبدأ العام الدراسي الجديد، وتُصبح الجامعة تحت الضغط للإسراع في إدخال أساتذة جدد، منهم من هم أصحاب كفاءات، لكن منهم كثر لو طُبق المرسوم 9084 بحذافيره سيكونون خارج المنافسة الشفافة.
وحدّد قانون الجامعة ايضاً عدد المتعاقدين فيه، إذ أشار المرسوم 70/6 في المادة 5 منه إلى أنّه لا يجوز أن تنقص نسبة ساعات التدريس الموكلة إلى أفراد الهيئة التعليمية في الملاك والمتعاقدين بالتفرغ عن 80% من مجموع ساعات التدريس المقرر في مختلف فروع الجامعة، ويُسند الجزء المتبقي، أي 20% على الأكثر إلى المتعاقدين بالساعة. لذلك كان مطلب تحديد الملاكات في الكليات مطلباً مزمناً لم يُبصر النور منذ سنوات طويلة، للأسباب نفسها، وهي أنّ تحديدها سيُحرّر التفرغ في الجامعة لتُصبح عملية تلقائية كل سنة نتيجة إحالة أساتذة إلى التقاعد، كما أنها ستوقف التعاقد العشوائي وهذا ما لا ترضاه الكثير من القوى الحزبية المهيمنة التي تريد من المتعاقدين التبعية والاستزلام.

وقد اوجد المشرّع في القانون 70/6 حلولاً لعدم المس بهذه النسب بين عدد أساتذة الملاك والتفرع نسبة إلى أساتذة الساعة. فقد نصت المادة 6 منه، إما على إرسال المتفوقين الممنوحين من الجامعة إلى الخارج لإكمال دراساتهم العليا والدكتوراه والعودة بعدها إلى الجامعة للتدريس فيها، أو عبر إجراء عقود تفرغ للأساتذة المتعاقدين بالساعة. ولم ينص هذا القانون على آليات محددة ومعايير للتفرغ بل تُرك الأمر للنقاش في مجلس الجامعة. لذا، كانت معايير التفرغ تختلف من دفعة إلى أخرى، وهذا ما جرى في دفعات 1999، 2008 و2014، إلاّ أنّ الثابث فيها هو شرط حصول الأستاذ على نصاب كامل يؤهله للتفرغ. لكن ملفات التفرغ التي تبدأ تحت عنوان تطبيق هذا القانون، لا تلبث أن تُنفخ بأعداد كبيرة جداً تفوق طاقة الجامعة المالية والأكاديمية نتيجة التدخلات الحزبية والسياسية. والجدير ذكره، أنّ كل قرارات التفرغ السابقة في مجلس الوزراء قد نصت على وقف التعاقد في الجامعة وتحديد ملاكاتها. لكن القوى السياسية نفسها تعود فتنقض ما قررته عند أول ملف تفرغ لاحق.

أما ملف التفرغ الحالي فينتظره المتعاقدون بفارغ الصبر، ويصيب تأخيره ايضاً متفرغي دفعة 2014 الذين يترقبون اقرار ملف دخولهم الملاك. إذ أنّ العرف وليس القانون جعل هذين الملفين مترابطين. أما الحديث عن المشاكل في المعايير الموضوعة لملف التفرغ في مجلس الجامعة فلا يكون بتطيير نصاب الجلسات بل بتكثيف الاجتماعات للتوصل إلى حلول أكاديمية تراعي مصلحة الجامعة أولاً وأخيراً، وليرى هذا الملف النور على أسس واضحة وشفافة تعطي الحقوق لأصحابها بعيداً عن سياسة المحاصصة. لكن مجلس الجامعة تخلى عن دوره الأكاديمي حين تحول إلى «مجلس ملي» يقف فيه عمداء أومندوبو كليات ليعلنوا صراحة أنهم ضد الملف لأنّ أحزابهم ترفضه. وقد انعكس هذا الملف على كل الملفات الأخرى الحيوية للأساتذة والموظفين والطلاب، وكأننا عدنا إلى الحقبة التي كان فيها مجلس الجامعة غائباً أو مغيّباً.

وبما أنّ القانون 70/6 لم ينص على التوازن الطائفي للمرشحين للتفرغ، ودستور الطائف نص على هذا التوازن فقط في وظائف الفئة الأولى، وبما أنّ أساتذة الجامعة هم من الفئة الثانية، فإنّ هناك حلاً من ضمن القانون ويراعي تركيبة البلد، وهو إصدار ملف التفرغ للمتعاقدين المستوفين للشروط على قاعدة الجدولة لعدة سنوات في قرار واحد في مجلس الوزراء، وبالتالي يتجاوز الملف في مجمله عقدة التوازن الطائفي، لكن من دون المس بقانون الجامعة.