رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن “أمام اللبنانيين خيارين اثنين للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية التي يعاني منها لبنان، الأول على المدى المتوسط من خلال الانتخابات النيابية في العام 2022، فالتغيير بين أيدي اللبنانيين، وهذه الديمقراطية هي ثروة كبيرة يملكها الشعب اللبناني ولكنه لا يستعملها. الناس يشكون ويئنون من الوضع في حين أن التغيير في يدّ كلّ واحد منّا من خلال صندوق الاقتراع. أما الخيار الثاني على المدى المباشر فهو أن نبدّل الحكومة الحالية بحكومة أخرى مختلفة، فمنذ عشر سنوات حتى اليوم نرى الأكثرية الوزراية نفسها، تتغيّر بعض الوجوه ولكن القوى الفعلية هي نفسها، طبعًا ليست قادرة على فعل شيء، وقد طرحتُ شخصيًا هذا الأمر خلال الاجتماع الاقتصادي-المالي لإعلان حالة طوارئ اقتصادية في بعبدا، بحيث طالبتُ بإفساح المجال لتشكيل حكومة من أخصائيين وتقنيين من أحجام كبيرة، ولندعها تعمل لإنقاذ الوضع لأن الأكثرية الوزارية لو كانت قادرة على إنقاذ الوضع لما أوصلته إلى هنا، وهذا هو الحلّ المثالي من خلال عملية تغيير كبيرة تعطي دفعًا للوضع العام وتُعيد الثقة للمجتمع الدولي والأسواق، ولكن انطباعي أن المعنيين أولياء الأمر متمسكون بمراكزهم وبما يقومون به لذا لا يمكننا إلا أن نستمر في النضال حتى تغيير الوضع القائم والى أن يحين وقت التغيير الكبير في الانتخابات النيابية المقبلة”.
ورفض، خلال عشاء تكريمي أقامه راعي أبرشية كندا المارونية المطران بول-مروان تابت على شرف رئيس القوات وزوجته النائب ستريدا جعجع في الصالة الكبرى لكاتدرائية مار مارون في مونتريال، “رفضًا قاطعًا البحث عن قانون انتخابي جديد في ظل هذه الظروف”، محذّرًا من أن “القانون الانتخابي المطروح للتداول هو كناية عن ديمقراطية عددية، غير مقنّعة حتى، وهذا ليس ما ينصّ عليه الميثاق الوطني ولا اتفاق الطائف أو الدستور، لم نتفق منذ قيامة لبنان يومًا على الديمقراطية العددية، لأن لبنان بلد تعددي ويجب أن نحترم بعضنا البعض ونحترم كلمتنا وميثاقنا، ولكلّ هذه الأسباب مجتمعةً نعتبر طرح قانون الانتخاب كما هو مطروح حاليًا مسيء ومضرّ جدًا ويجب سحبه بأسرع وقت من التداول تفاديًا لمزيد من التشنّج والأزمات في البلد التي نحن بغنى عنها”.
ولفت إلى أنه “منذ تأسيس لبنان الكبير وحتى من قبل تأسيسه التاريخي، كان الهمّ الأول لدى الكنيسة في لبنان هو تشكيل القرى والبلدات، بحيث بدأت قرانا تتشكّل من كنيسة أو دير وإلى جانبه مجموعة أراضٍ، فكوَّن الرهبان قرى ومجموعات إلى أن وصلنا الى لبنان الذي نحن فيه، وكذلك مع إخواننا المسلمين، تكوّنت قراهم قرب الجوامع والمعابد والخلوات، ماذا وإلا لما بقي أحد في هذه الأرض التي هي أرض مقدسة”.
وشدد جعجع على “أننا لسنا لا ضد السنّة ولا ضد الشيعة في لبنان، فقد شاءت الصدف أننا نلتقي والأحزاب السنيّة الكبيرة على نظرة واحدة للبنان وبالتالي نحن حلفاء، ولكننا على الأكيد لسنا ضد الشيعة لأننا طوال عمرنا وبالأخص نحن أبناء بشري ودير الأحمر موجودين على تماس مباشر مع كل المحيط الشيعي في البقاع، كنا دائمًا ولا زلنا إخوة، نحن صراحةً ضد النظرة الأخرى للبنان، لأنه لا يمكننا أن نتخلّى عن لبنان الوطن، فبعض الأمور لا تحمل مسايرة على الإطلاق، فحتى أول المستفيدين من بقاء لبنان الوطن سيكونوا إخواننا الشيعة لأنهم مثل الموارنة في هذا الوضع، ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. تاريخيًا نحن مع لبنان وهذا ليس بعيب، ففي عزّ أيام الرئيس جمال عبد الناصر كنّا ضده، ليس على المستوى الشخصي، باعتبار أنه شخصية تاريخية ولكننا لم نكن نؤيد الطرح الذي كان يطرحه، لا يمكننا القبول بكيان غير الكيان اللبناني، أي كيان آخر سواء كان اسمه الأمة أو الاتحاد مع فرنسا أو أيًا يكن، لا يمكننا أن ننسجم ونتعايش معه، من هذا المنطلق نحن مع فكرة ضد فكرة أخرى وليس مع طائفة ضد طائفة أخرى لا سمح الله ولا في أي لحظة من اللحظات، نحن مع السنّة ومع الشيعة وطبعاً مع إخواننا الدروز بحيث كنّا رفاق درب في لبنان التاريخي وسنبقى الى أبد الآبدين، آمين!”.
وتابع: “لبنان يعاني من أزمة اقتصادية مالية كبيرة هي الأساس في الوقت الراهن، فالشعب اللبناني ليس فقيرًا ولبنان ليس فقيرًا، فأكثرية الشعب اللبناني هي منتجة، عدا بعض “العطلجية” الذين يريدون وظيفة في الدولة ليأخذوا معاشات دون أن يعملوا. فلماذا وصلنا إلى الأزمة الحالية يا تُرى؟ فما يُسمى Fundamentals في لبنان ليس مضروبًا أبدا بالمعنى الاقتصادي المالي، على العكس كلّها صحيحة ولكن الإرادة السيئة والفساد الموجود أوصلا الوضع إلى ما هو عليه. إن المناخ السائد داخل إدارات الدولة ليس جيدا إذ لا يوجد إدارة ولا تبصُّر ولا خطة للمستقبل بالإضافة إلى الفساد، هفذا المزيج المتفجّر أدى في نهاية المطاف إلى الوضع الراهن وللخروج منه الأمر يحتاج الى تغيير في إدارة الدولة الذي يحصل على المدى المتوسط من خلال الانتخابات النيابية في العام 2022، وهنا أتوقف لأقول إن التغيير بيدكم أنتم، فهذه ثروة كبيرة يملكها الشعب اللبناني ولكنه لا يستعملها، فالناس يشكون ويئنون من الوضع في حين أن التغيير في يد كل واحد منّا من خلال صندوق الاقتراع”.
ورأى أن “لبنان فيه ثغرات ومشاكل كثيرة إلا أن نظامه بالفعل ديمقراطي، فكما تصوتّون تأتي النتيجة، وبالتالي على الشعب اللبناني تغيير طريقة تصويته، لقد صوّت بهذه الطريقة ورأينا ما كانت النتيجة”، مذكّرا جعجع بظاهرة في علم النفس “تُسمّى Rationalisation حيث على سبيل المثال حين يُمنع شخص ما من تناول الحلويات، يبدأ بإيجاد مبررات لتناولها، وهذا ما يحصل مع اللبناني الذي يشكو من غياب الكهرباء، ولكنه يُصوّت لمن لا يؤمّن له الكهرباء، ويُبرر لمن صوّت له بأن الآخرين قاموا بعرقلته، فبدعة العرقلة غير صحيحة إطلاقا وذلك من خلال الممارسة، فمؤخرا عارضَنا الجميع في لبنان في مسألة تنظيم العمالة الأجنبية الذي طرحها وزير العمل، وقامت القيامة عليه من جماعة الدولة أولا، ولكن هذا الأمر لم يثننا عن عزمنا رغم المشاكل والتظاهرات، فحين يُصمم الوزير أو السلطة السياسية لا أحد يمكن منعها عن شيء، أن صاحب الحق سلطان، ولكن حين يقوم أحد ما بأمر عن غير حق، طبعا ستتم عرقلته لأنه يكون هشا vulnérable وهذا ما حصل في قطاع الكهرباء وما شهدناه من عراقيل”.
ودعا جعجع “المغتربين واللبنانيين إلى حسن الاختيار ومعرفة كيفية التصويت في العام 2022″، منتقدا بعض المغتربين الذين لا يصوّتون لأنه لا يوجد مركز اقتراع قريب منهم، فأي وطن سيقوم إذا كنا أقلّه كل أربع سنوات لا نقوم بمجهود للإدلاء بأصواتنا؟ الأمور تحتاج إلى جديّة لأن هذا واجب وطني وبإمكانه تغيير اللعبة السياسية”.
وأسف أن “الأوضاع تسوء في لبنان، ولكن ما يمكن فعله راهنا هو أن نرفع الصوت وندل بالإصبع على الخطأ، فالأمور لم تعد تحتمل مسايرات، نحن أصدقاء مع الجميع ولدينا علاقات مع كل الفرقاء السياسيين، ولكن هذا شيء وأن تشير بالإصبع الى ما يحصل من أخطاء هو واجب لتفادي الأزمة أو تأخيرها على الأقل”.
وتطرق جعجع إلى موضوع تعديل قانون الانتخابات “بحيث عُقد منذ أسبوعين اجتماع للجان المشتركة وستجتمع مجدداً قريباً، فبدل ان نبحث عن حلول للوضع الاقتصادي ذهبنا للبحث عن قانون انتخابي جديد، وأنا لدي ملاحظتين بالشكل: أولاً بعد تقاتل وشد حبال على مدار عشر سنوات بين عامي 2008 و 2018 للتوصُل الى القانون الانتخابي الحالي، فهل هذا القانون هو جدول أسعار المحروقات التي تُصدره وزارة الطاقة لنغيّر فيه في كل ساعة وفي كل لحظة؟ طبعاً لا. لا نريد تغيير قانون الانتخاب، فالقانون ليس مزحة وهو موضوع خلافي بين المجموعات اللبنانية، فبعد مئات الاجتماعات نأتي لنفرّط بهذا القانون من أجل البحث عن قانون جديد. ثانياً، في خضم كل ما نعيشه نبحث عن قانون انتخابي جديد بينما نحن بأمسّ الحاجة لكلّ جهد نيابي أو وزاري أو سياسي أو اقتصادي لننقذ البلد. أما الملاحظة الأساسية الجوهرية هي أن جزءاً كبيراً من مشكلتنا كلبنانيين هي أننا نحاول التذاكي على بعضنا البعض منذ 70 سنة حتى اليوم ، وهذا أمر غير مقبول”.
وأردف: “طبعاً قانون الانتخابات الحالي بحاجة لبعض التعديلات التقنية، وأهمها طريقة اقتراع لبنانيي الانتشار، فلقد أضافوا تحت الضغط بنداً بأن المغتربين يحق لهم ستة نواب في حين ان كل منطق المطالبة باقتراع المنتشرين كان هدفه إبقاء المغتربين على متابعة وإطلاع على ما يحصل في لبنان، فحين نخصص للمغتربين 6 نواب فقط هذا الأمر يعزز من تقسيمهم وبُعدهم وانفصالهم عن لبنان، وسنحاول متابعة هذه النقطة حتى النهاية، فالقانون الحالي وبالرغم من تهجُم الكثيرين عليه هو من أفضل القوانين الانتخابية في لبنان منذ 70 عاماً حتى اليوم، فهو القانون الأكثر تمثيلاً الذي توصلّنا إليه بعد المحادل التي كنا نشهدها سابقاً، فمن خلال القانون الحالي لا يمكن أن يصل أحد من دون صفة تمثيلية أو على ظهر أحد”.
وختم:”مرَّ علينا كلبنانيين ظروف قاسية جداً وقاومنا، نحن وطن المقاومة المستمرة ليبقى موئلاً للحرية والانسان في الشرق، وحافظنا عليه، صحيح لدينا مشاكلنا ولكن الأساس موجود، الأزمة الآن أسوأ، فحين تأتي الامبراطورية البيزنطية مثلاً أو إسرائيل لتستيطر على بلدنا يُمكننا مواجهتها، ولكن الأسوأ حين يكون المرض داخلياً ويتآكلك من الداخل كالسرطان، فنحن نعاني من اهتراء داخلي كبير جداً ومطلوب منا جهد أكبر للمواجهة، تأكدوا أن مواجهة قوة خارجية تسعى لاحتلالنا أسهل بكثير من المواجهة في الداخل، لم نستسلم يوماً والآن سنستجمع قوانا لنقضي على هذا المرض لنصل الى لبنان الذي نحلم فيه”.