… في المنطقة خلْطُ أوراق فوق «الصفائح» المتحرّكة التي تهزّ الجغرافيا وتشي بخرائط نفوذٍ جديدة، وفي لبنان «الغارق حتى أُذُنيْه» في «ورطة» مالية – اقتصادية محاولاتٌ تُسابِق «عقارب الساعة» لـ«تصفيح» الوضع الدقيق واحتواء «عوارض» الأزمة التي لا يمكن فصْلها عن «أكلاف» جنوح البلاد نحو المحور الإيراني وصعوبة إبعادها عن «عيْن» المواجهة الأميركية مع طهران بعد شبه «ذوبان» الخيْط الفاصل بين الدولة و«حزب الله».
ولم يكن عابراً أمس تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال استقباله مُساعِدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روز ماري دي كارلو أن لبنان يعاني من «الحصار المالي والعقوبات التي يتأثّر بها القطاع المصرفي خصوصاً والأوضاع الاقتصادية عموماً، علماً أن المصارف اللبنانية تتقيّد بكل التعليمات والأنظمة وتخضع لإشرافٍ مباشرٍ في عملها المصرفي من مصرف لبنان».
ورغم أن كلام عون، يمكن تفسيره في سياق المواقف المتكررة من قريبين منه وفريقه السياسي عن أن الأزمة المالية، التي شهدتْ في الأسبوعين الأخيرين أوّل «تَفَشٍّ» لها من خلال انكشاف شحّ الدولار في الأسواق، هي في إطار «مؤامرةٍ خارجيةٍ» ونتيجة اشاعاتٍ تطول العملة الوطنية واستقرارها وذلك من ضمن «خطوط الدفاع» التي عُمل على رسْمها رداً على محاولات تحميل العهد مسؤولية ما آل إليه الواقع المالي، فإن أوساطاً متابعة رأت أن موقف رئيس الجمهورية أمس وقبْله كلام رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد عن «الحصار الاقتصادي على لبنان» (في إشارة الى العقوبات الأميركية) يعكس واقعياً «الجانب السياسي» (الإقليمي) من الوضع المأزوم و«الفاتورة» المترتّبة على مَظاهِر التماهي الرسمي مع خيارات «حزب الله».
وترى هذه الأوساط أن أركان السلطة في لبنان تحاول تنفيذَ عمليةٍ معقَّدة وصعبة تقوم على فصْلٍ مزدوجٍ أولاً بين «الشقّ التقني» من الأزمة المالية ومُعالَجاتها الإصلاحية وبين الشقّ السياسي، وثانياً بين «جناحيْن» لـ«حزب الله»، واحِدٌ إقليمي طَلَبَ رئيس الحكومة سعد الحريري إبان زيارته الأخيرة لأبو ظبي «اتهام» الحزب على أساسه وآخَر «حكومي» وذلك من باب السعي لإحياء «خط الفصل» الذي يقي البلاد «نفْض يدِ» المجتمعين العربي والدولي اليد من مساندتها في مسار النهوض الشائك.
واستوقف الأوساط نفسها «احتجاب» العملية العسكرية التركية في شمال سورية عن مجمل المشهد الرسمي، ما عدا الكلام الذي أبلغه عون إلى المسؤولة الدولية لجهة «أن التطورات العسكرية الأخيرة التي تحصل على الحدود السورية – التركية، تشكل تطوراً خطيراً لمسار الحرب في سورية»، موضحاً «أن لبنان يتابع مجرياتها على أمل ألا تكون لها تداعيات على وحدة سورية وواقع النازحين الذين تتزايد الاثار السلبية لوجودهم في لبنان على الأوضاع فيه».
وفيما كرر رئيس الجمهورية «أنّ لبنان متمسّك بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 فيما استمرت إسرائيل باعتداءاتها على لبنان، من البر والبحر والجو، وكان آخِرها استهداف الضاحية الجنوبية في بيروت بطائرتين مسيرتين في سابقة خطيرة منذ وقف إطلاق النار بعد عدوان يوليو 2006»، لافتاً إلى «أن لبنان يحتفظ بحقه المشروع في الدفاع عن نفسه»، لفت تأكيد دي كارلو «أن هدف الأمم المتحدة مساعدة لبنان ليكون مستقراً ومزدهراً ويبسط سلطة الدولة على كل أراضيه بما يحفظ سيادته واستقلاله وسلامة أراضيه»، في ما بدا غمزاً من قناة وضعية «حزب الله» خارج الدولة.
وفي هذا الوقت، مضت الحكومة في محاولة إنجاز مشروع موازنة 2020 وإحالته على البرلمان في الموعد الدستوري، وسط مناخٍ يشي بأن ثمة تفاهماً على إقراره «بما حَضَر» من الإصلاحات التي توجّه رسالة، ولو بالحد الأدنى، إلى الخارج حيال جدّية السلطة السياسية في إتمامِ «دفتر الشروط» الإصلاحي تمهيداً للاستفادة سواء من مخصصات مؤتمر «سيدر» أو الدعم المباشر من دول أخرى وبينها الإمارات، على أن يُستكمل بت الإصلاحات الأخرى واستصدار القوانين الخاصة بها في مهلة أقصاها 3 أشهر.
ورغم الوتيرة المُتسارِعة لاجتماعات الحكومة، فإنّ «حبْل الأزمات» المرتبطة بشحّ الدولار وما قد تقرّه الحكومة من إجراءات ضريبية جديدة ما زالت تطلّ برأسها الواحدة تلو الأخرى، وسط استمرار العمل في «السوق الموازية» (الصيارفة) حيث ناهز سعر العملة الخضراء 1600 ليرة لبنانية (سعرها الرسمي بين 1507 و 1515)، ومضيّ أكثر من قطاع بالتهديد بإضرابات على ما فعلت نقابات المَخابز والأفران التي حدّدت الاثنين يوماً للتوقف عن العمل لعدم قدرتها على تَحَمُّل أعباء التقاضي بالليرة اللبنانية والدفع (لمستوردي الطحين) بالدولار، وهو ما يعني عدم اكتمال مفاعيل التعميم الذي كان أصدره مصرف لبنان المركزي قبل أيام ووفّر عبره آلية لتغطية كلفة استيراد المحروقات والقمح والدواء بسعر الصرف الرسمي.
وفي موازاة ذلك، نفذ القطاع التجاري إضراباً أمس لساعةٍ، احتجاجاً على الواقع المأسوي للقطاع الخاص وعدم إمكان تَلقّيه أعباء ضريبة جديدة.