Site icon IMLebanon

تفسيرات متضاربة لهجوم الراعي على القضاء والأجهزة الأمنية

كتب  يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط:

تضاربت القراءات السياسية والقانونية للموقف الذي أطلقه البطريرك الماروني بشارة الراعي، وهاجم فيه بعنف القضاء والأجهزة الأمنية، وتحدث عن «محاكمات سياسية، وتحقيقات تجريها أجهزة أمنية تحولت إلى مذهبية». وبينما رأى مقربون من البطريركية المارونية أن هذا الموقف «يعبر عن واقع قائم، وعن حالة الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة». اعتبرت مصادر قانونية أن كلام الراعي «يأتي استكمالاً لمواقف سابقة، مرتبطة بملاحقات طالت موظفين من الطائفة المسيحية في قضايا فساد».

وقال الراعي في عظته التي ألقاها يوم الأحد الماضي: «لا نستطيع السكوت عن تسييس القضاء، وعن تحويله إلى محاكماتٍ سياسية طائفية تُفبرَك فيها الملفات، وتُنقض النصوص، وتُعطل إفادات مؤسسات الدولة»، مؤكداً أن «التعذيب يُمارَس لدى أجهزة أمنية باتت مذهبية».

ويبني البطريرك الماروني كلامه على معلومات ترده عن تجاوزات تحصل خلال التحقيقات الأولية لدى أجهزة أمنية، وفي بعض المحاكم والدوائر القضائية. واعتبر رئيس الرابطة المارونية النائب السابق المحامي نعمة الله أبي نصر، أن «الفساد ينخر عظم بعض المؤسسات، وهذا لم يعد سراً على أحد»، مؤكداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن البطريرك «لا يطلق كلاماً من دون دليل، ويبدو أن لديه معلومات أكيدة وموثقة عن عمليات تعذيب يمارس». وشدد على «ضرورة الخروج من هذه المحنة؛ لأن البلد بلغ قعر الهاوية، والشعب اللبناني لم يعد يتحمل هذه التجاوزات، والفساد الذي ينخر عظام الدولة»، معتبراً أن «كل شيء بات بحاجة إلى الإصلاح». ودعا أبي نصر إلى «الاتعاظ وأخذ العبرة مما تشهده دول الجوار».

الرسائل السياسية والقضائية والأمنية العالية السقف، التي انطوت عليها عظة الراعي، بقيت موضع متابعة في أروقة قصور العدل اللبنانية؛ لكن مرجعاً قانونياً أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اتهام البطريرك للقضاء والأجهزة الأمنية ليس جديداً، وسبق له أن اتهم فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بممارسة التعذيب مع موقوفين لانتزاع اعترافات». وأشار إلى أن «التحقيقات التي يجريها فرع المعلومات، تحال كلها على القضاء الذي يستند إلى أدلة ملموسة قبل توجيه الاتهام لأي شخص».

وقال المرجع القانوني: «معظم الإفادات التي يقدمها مستجوبون أمام قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام أو لدى مخابرات الجيش، تأتي مطابقة للوقائع، ويكررها الموقوفون خلال المحاكمة العلنية، حتى وإن زعموا أن اعترافاتهم الأولية جاءت تحت التعذيب». وقال: «الأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها، والكلمة الأخيرة للقضاء الذي يجري محاكمات علنية وشفافة، وهناك درجات في المحاكمات يمكن اللجوء إليها، عندما يشعر المتهم بأي ظلم أو حيف لحق به».

وخلال جلسات المحاكمة العلنية، غالباً ما يتنصل المتهمون من الاعترافات التي أدلوا بها خلال التحقيقات الأولية أمام الأجهزة الأمنية، ويتحدثون عن انتزاعها تحت وطأة التعذيب؛ لكن هذا التنصل ليس معياراً لتبرئة المتهم؛ خصوصاً إذا تطابقت اعترافاته مع وقائع قائمة. وأحياناً ينال متهمون حكم البراءة في حال ثبت للمحكمة عدم جدوى الاعترافات السابقة.

وعلى قاعدة رفض التعميم، لا يرى المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية، أن الصورة قاتمة إلى هذا الحد، ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك حالات شاذة وربما تكون كثيرة؛ لكنها لا تجعل السلطة القضائية فاسدة ومسيسة، ولا تجعل الأجهزة الأمنية مذهبية». وتمنى أن «يحدد موقع الخلل ويؤشر إليه، بدل التعميم وضرب صورة القضاء والأجهزة الأمنية كلها». وقال مرقص: «لا شك في أن هناك حالات غير قليلة تحصل فيها تجاوزات وانتهاكات؛ لكني لست من أتباع منهجية وصف الكل بالجزء، حتى لو كان الجزء كبيراً ويحتاج إلى الإصلاح»