كتب علي زين الدين في صحيفة الشرق الأوسط:
يدفع لبنان باتجاه تسريع إقرار «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» في محاولة لرفع جزء من الأعباء الثقيلة التي ينوء تحتها الاقتصاد الوطني، وتزيد من حدة أزمته المالية، حيث يقبع البلد في ذيل لائحة الترتيب الدولي إلى جانب الدول الأكثر فساداً في المنطقة والعالم (المرتبة 13 إقليمياً و138 عالمياً)، وبتكلفة مباشرة تصل إلى 5 مليارات دولار، ومثلها خسائر غير مباشرة، وفق أدنى التقديرات البحثية الصادرة عن مؤسسات محلية ودولية، أي ما يوازي ما بين 9 و18 في المائة من الناتج المحلي.
ويستجيب هذا التوجه إلى واحد من الالتزامات الرئيسية التي قدمتها الحكومة إلى المانحين من دول ومؤسسات في مؤتمر «سيدر»، إلى جانب الالتزام بإصلاحات مالية شاملة انطلاقاً من خفض عجز الموازنة، وهي بمنزلة الشروط للحصول على قروض ميسرة بنحو 11 مليار دولار تُخصص لمشاريع إعادة تأهيل وبناء البنى التحتية، خصوصاً أن النواة الصلبة للفساد تتمركز في سوء الإدارة العامة لأجهزة الدولة وضعف أجهزة الرقابة والتأديب على العاملين في القطاع العام، وسوء نظام التعيين والترقية في الوظائف العامة، فضلاً عن انتشار البطالة وغلاء المعيشة وثقل الضرائب والرسوم دون الحصول على خدمات مقابلة من الدولة.
ووفقاً لأحدث توصيات «بعثة صندوق النقد الدولي» في هذا المجال، ينبغي للبنان «التعجيل باتخاذ مزيد من الخطوات الملموسة للحد من الفساد». وقد أقرت السلطات تشريعات لشفافية المعلومات العامة ومكافحة الفساد، بما في ذلك قانون حق الوصول إلى المعلومات، وقانون حماية كاشفي الفساد، وقانون تأسيس لجنة وطنية لمكافحة الفساد، وقانون شفافية قطاع النفط والغاز.
وينبغي تنفيذ هذه التشريعات بسرعة وفعالية، بما في ذلك عن طريق تعيين لجنة مستقلة لمحاربة الفساد تتمتع بصلاحيات وموارد كافية، ويكملها اعتماد التشريعات المعلقة بشأن الإثراء غير المشروع والتصريح العلني عن الأصول.
وهناك أولويات أخرى تشمل اعتماد استراتيجية لمكافحة الفساد، والتحقيق مع مرتكبي أعمال الفساد، وملاحقتهم قضائياً بحيث يتناسب عدد الإدانات والمصادرات في قضايا الفساد مع المخاطر ذات الصلة. وسيكون هذا العنصر مهماً في التقييم الدوري الذي تجريه فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بمكافحة غسل الأموال ومحاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «أنّ الحكومة اللبنانية تضع حالياً اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تتضمن إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الفساد، من شأنها خلق الوعي والمناضلة للقضاء على الفساد، بالتعاون مع الجهة القضائية المختصة في الحكومة».
وتشمل هذه الاستراتيجية أيضاً «إقرار قوانين أخرى ذات صلة مثل إدارة الأصول المُصادرة». وقد أطلق رئيس الوزراء سعد الحريري مؤخراً «استراتيجية وطنية لمكافحة الجريمة الإلكترونية».
وفي الجانب النقدي والمصرفي، أوضح سلامة أن «هدفنا كسلطة رقابية على القطاع المصرفي والمالي يكمن في ضمان عدم استخدام المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية، كقنوات لتسهيل عمليات الفساد التي تنطوي على كميات كبيرة من الأصول، وللقيام بعمليات احتيالية. من هذا المنطلق وفي إطار الامتثال، طلب مصرف لبنان من المصارف إنشاء وحدات ولجان امتثال تابعة لمجالس إدارتها، وتزويدها بالموارد اللازمة لإدارة وردع أي خطر من استغلالها وسيطاً لتنفيذ جرائم الفساد».
وأصدر «البنك المركزي» مجموعة تعاميم موجّهة إلى القطاع المصرفي، بما فيها وضع معايير حول شفافية أصحاب الحق الاقتصادي، للمساعدة في تحديد أصحاب الحق الاقتصادي بالنسبة للأشخاص المعنويين، مع توجيه المصارف العاملة على تطبيق الممارسات الفضلى الدولية لدى قيامها بإجراءات العناية الواجبة على صعيد هياكلها الإدارية ومصادر أموال عملائها. كذلك تشجيع المصارف على تعزيز أنظمة الامتثال لديها والحصول على الموارد اللازمة لتحديد أي عملية احتيال أو فساد مشبوهة.
وانطلاقاً من قناعته بأن تهديدات الأمن السيبراني المحتملة التي قد تطال القطاع المصرفي تشوّه سمعته، وتقوّض ثقة الجمهور بالقطاع المالي ومتانته، أصدر «البنك المركزي» دليلاً إرشادياً بالتعاون مع جمعية المصارف، يليه تعميم حول الوقاية من الأفعال الجرمية الإلكترونية، من أجل التشديد على أهمّية حماية أمن المصارف من أي محاولات احتيالية مماثلة، كذلك التوجيه بإرساء ثقافة حسن الأخلاق والسلوك في القطاع المصرفي، إضافة إلى كلّ المساعي العملية والقانونية ذات الصلة، لما له أهمّية قصوى في مكافحة الفساد والاحتيال.
وتمكّن «مصرف لبنان» من كشف عدد من حالات الفساد بفضل السلطة الرقابية على القطاع المصرفي وتعاونه. ونتيجة هذه الجهود المبذولة، تمّ تجميد عدة حسابات مصرفية، ورفع السرّية عنها، وإحالتها إلى السلطة القضائية المختصة لاتّخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. كما تمّ فرض عقوبات على بعض المصارف العاملة في لبنان، وقام «المركزي» على أثرها بتعيين مسؤول إداري وتكليفه بإدارة هذه المصارف نتيجة تورّطها في تسهيل توجيه عائدات جرائم الفساد.