كتب جورج حايك في “الجمهورية”:
من فترة إلى أخرى، يُقحم البعض اسم قائد الجيش العماد جوزف عون كمرشّح طبيعي لرئاسة الجمهورية، ويبني معارك وهميّة لقائدٍ زاهِدٍ لم يُظهر ولو مرة واحدة رغبته في الانضمام إلى نادي المرشحين الرئاسيين، فهو بعيد عن السياسة، ويركّز كل جهوده على الأمن والاستقرار وتنظيم المؤسسة العسكرية. فماذا تقول عن هذا الموضوع مصادر ديبلوماسية غربية معنية بالجيش ومُهتمة بتزويده السلاح ؟
لا يُخفى على أحد تنافس صهري رئيس الجمهورية وزير الخارجية جبران باسيل والنائب شامل روكز على استقطاب أنصار «التيار الوطني الحر»، وبشكل طبيعي العسكريين القدامى، ولا تخلو منافستهما من النكهة الرئاسية مع إقحام الجيش وقائده في هذه الأجواء، بدليل انّ باسيل أقام منذ أقل من أسبوع عشاء لـ200 ضابط متقاعد في لقاء وُصِفَ بالوجداني عشيّة ذكرى 13 تشرين، محاولاً إزالة الغشاوة عن العلاقة بين التيار والجيش، داحضاً الاتهامات بأنه ضد العسكر، معتبراً أنّ التيار وُلد من رَحم الجيش اللبناني. وبَدا هذا العشاء كمحاولة التفاف على القداس الذي يقيمه رفاق السلاح وأهالي الشهداء في 13 تشرين الأول في كنيسة سيدة الصعود في ضبيه، في حضور المعارضة العونية، ويشارك فيه النائب شامل روكز.
واللافت انّ روكز، بالتزامن مع هذا العشاء، أبدى موقفاً جريئاً مؤيّداً لطرح اسم قائد الجيش للرئاسة في وجه باسيل، مؤكداً «انّ العماد جوزف عون لا يشكو من شيء للرئاسة. وفي كل الأحوال، من يثبت أنه رجل القانون والمؤسسات سنؤيّده، وأنا مع الرئاسة القوية».
أمام هذا الواقع، تؤكد مصادر ديبلوماسية غربية أنه من الظلم إقحام اسم قائد الجيش في معارك وهمية، فيما تشير كل المعلومات والوقائع الى أنّ العماد عون لم يُثِر، ولا مرة، هذا الموضوع مع أي سياسيّ لبنانيّ او ديبلوماسيّ غربيّ، خصوصاً خلال زيارته الولايات المتحدة، بل حَرصَ على أن تبقى محادثاته ضمن الإطار العسكري البحت، ورفضَ أن ينزلق خلال زياراته المتتالية إلى أيّ موضوع سياسي.
وتضيف المصادر: المفارقة أنّ كل حركة لقائد الجيش تَتبعها عمليات تشويش، وبدلاً من أن يشيدوا بإنجازاته على صعيد تقوية الجيش يبادرون إلى «التَفخيت» بالزيارة ويحمّلونها رسائل سياسية من نسج الخيال.
لا تنكر المصادر الديبلوماسية المطّلعة على تاريخ لبنان المعاصر انّ اسم قائد الجيش كان دائماً يُطرح لرئاسة الجمهورية، بدءاً من سابِقة فؤاد شهاب مروراً بإميل لحود وميشال سليمان وصولاً إلى الرئيس الحالي العماد ميشال عون، وليس مُستغرباً أن يُطرح اسم جوزف عون. لكنها تَلفت إلى أنّ هناك فرقاً بين أن يطرح الرأي العام اسم قائد الجيش مرشحاً للرئاسة عند إخفاق السياسيين، وأن يقوم قائد الجيش بمعركة الوصول إلى الرئاسة والتضحية بالجيش. الاحتمال الأخير غير وارد وغير مطروح، لكنّ البعض يحاول ان يَستبق طَرح اسم العماد عون بُغية إحراجه والسيطرة على القرار العسكري، إلّا أنّ عون لم يشارك في هذه اللعبة، ولم يترك المجال لاستدراجه أو استعمال اسمه، وبالتالي إقحامه في معارك سياسية، بل أبلغَ الى الجميع وكل المعنيين والطامحين أنّ هذا الأمر ليس وارداً، وهو آتٍ بمهمة تَخصّ الجيش اللبناني، ونقطة على السطر.
وتُبدي هذه المصادر تَخوّفها من حرق اسم عون، خصوصاً أنّ طرحه في هذا الوقت لا يؤثر عليه مستقبلاً فحسب، بل يؤثرعلى المؤسسة العسكرية أيضاً، بحيث تحوّلها هذه الشائعات إلى فريق سياسي، علماً انها مؤسسة وَحدويّة لكل الشعب اللبناني.
وتؤكّد هذه المصادر أنّ الاميركيين أبدوا امتعاضهم من الحملات التي يتعرض لها قائد الجيش، وهم يستغربون هذه الأجواء في وقت يعملون فيه على دعم الجيش وتسليحه، بينما يقوم السياسيون في لبنان بإضعافه. وقد حرص الاميركيون على إبلاغ رئيس الحكومة سعد الحريري امتعاضهم بشكل معيّن، ومن المتوقع أنه عندما سيأتي المبعوث الاميركي دايفيد شينكر إلى بيروت، سيبلغ المراجع المعنية بالاستياء الاميركي نتيجة إقحام الجيش وقائده في البازار السياسي الرئاسي.