يعيش المواطن اللبناني أزماته بين مطرقة السياسيين وفسادهم وسوء إدارتهم، وبين سندان المافيات المتحكمة بمفاصل أساسية من الاقتصاد الوطني، من كارتيل النفط إلى أصحاب الأفران ومروراً بالشركات المستوردة للأدوية!
ورغم الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، ترفض مافيات المصالح الكبرى أن تخسر دولاراً واحداً من أرباحها الطائلة، والتي تحققها أساسا بشكل غير شرعي. فالقيمون على كارتيل النفط (الشركات المستوردة) جنوا ثروات طائلة منذ عقود نتيجة ممارسة احتكار استيراد النفط بشكل مخالف لأبسط مفاهيم الاقتصاد الحر. وعبر هذا الاحتكار يحققون أرباحاً خيالية من جيوب اللبنانيين بالتواطؤ مع مسؤولين كبار في السلطة. وفي كل مرة يشعرون أن أرباحهم قد تقلّ دولاراً واحداً يهددون بالإضراب ويمارسون الابتزا بحق المواطن اللبناني!
وأصحاب المطاحن والأفران يحققون الأرباح الوفيرة لأنهم يربحون في ربطة الخبز الواحدة ما بين 10% و12%، وهذا يُعدّ من أعلى نسبة الأرباح عالمياً في الخبز. وتسعيرة الـ1500 ليرة لربطة الخبز الواحدة تقررت يوم كان سعر برميل النفط يوازي 100 دولار أميركي، واليوم البرميل بحوالى 60 دولاراً ويحققون أرباحاً إضافية، لكنهم يرفضون أن يخسروا منها القليل بفعل فرق سعر الدولار في السوق السوداء، وها هم يهددون بالإضراب ويبتزون المواطنين بلقمة عيشهم للضغط على الحكومة ورئيسها.
والشركات المستوردة للأدوية كانت أيضاً حققت أرباحاً خيالية قبل أن يستفيق المسؤولون من غيبوبتهم ويعملون على تخفيض أسعار الدواء، ليتضح أن هذه الشركات كانت تبيع الأدوية بأسعار تفوق بأكثر من 5 أضعاف السعر الحقيقي الذي يجب أن تبيع بموجبه. تم تخفيض الأسعار ولم تتم محاسبة شركة مستوردة واحدة، ومؤخراً حصلت هذه الشركات على امتياز عبر مدّها بالدولار المدعوم لتؤمن حاجاتها من الاستيراد!
في كل الأمثلة المذكورة كانت السلطة في لبنان عاجزة عن أن تقف بوجه المافيات والكارتيلات، لا بل في أحيان كثيرة كانت متواطئة معها، لأن كثراً من اللبنانيين يعرفون أن أطرافاً سياسية في لبنان تتموّل عبر كارتيل النفط منذ عقود، وبالتالي لا يمكن المسّ بأرباح هذا الكارتيل لكي لا تتراجع المداخيل الخفية للأطراف السياسية المعنية!
السلطة عاجزة أو متواطئة والمواطن يدفع الأثمان الباهظة. هكذا يبدو المواطن وكأنه يعيش في غابة يدفع فيها “الجزية” للمافيات الحاكمة والمتحكمة بمفاصل الاقتصاد، ويدفع “الجزية” أيضاً للدولة عبر سلسلة ضرائب مباشرة وغير مباشرة لا تنتهي، ليكتمل “النقل بالزعرور” من خلال اهتزاز العملة الوطنية وارتفاع سعر الدولار، ما يؤدي إلى فلتان الأسواق وارتفاع أسعار كل المنتجات والبضائع وتحكّم المافيات برقاب المواطنين من دون حسيب أو رقيب!
إنها حال اللبنانيين باختصار هذه الأيام الذين يعانون إذلالاً غير مسبوق في تاريخهم الحديث، ولا من ينقذهم، وحتى هم باتوا عاجزين عن إنقاذ أنفسهم بسبب معاناتهم لـ”متلازمة استوكهولم” بحيث باتوا يتعاطفون مع جلاديهم، فيعيدون انتخابهم في كل انتخابات نيابية، ويصفقون لخطاباتهم البائسة، وعند كل منعطف يهتفون لهم “بالروح.. بالدم”!
وفي الخلاصة يصح القول للبنانيين: “كما تكونون يُولّى عليكم”، فهنيئاً لكم إذا كنتم راضين عن أوضاعكم، وإذا كنتم غير راضين ولا تثورون وتنتفضون على أوضاعكم فلا تتكلوا على “النق” لتغيير أحوالكم لأن “الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”!