لم يكن ينقص العلاقة المأزومة بين الركنين المسيحيين للتسوية “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” سوى المواقف التي يعلنها رئيس القوات سمير جعجع من كندا والتي تتمحور في معظمها حول الاوضاع الاقتصادية السيّئة التي وصل اليها البلد، من دون ان يشعر اهل السلطة بسخونتها وانما “يتغاضون” عنها بالاشارة الى وجود مؤامرة كونية بايادٍ داخلية وخارجية لافشال العهد ومنعه من تحقيق الانجازات.
ولعل النقطة التي فاض بها كأس “التأزّم” اشارة جعجع الى “ان ليس في لبنان اليوم رجال دولة”، وهو ما اعتبره القيّمون على القاعدة البرتقالية غمزا من قناة رأس الدولة وسيّد العهد رئيس الجمهورية ميشال عون تحديداً. فهل المواقف هذه تقطع شعرة معاوية نهائياً بين الحزبين، لاسيما بين جعجع ورئيس الجمهورية بعدما تراجع التيار الوطني الحر عن عن التزامه بـ”اتفاق معراب”، ولو ان عون وجعجع يُشددان في الوقت نفسه على التمسّك بالمصالحة المسيحية؟ اما انها ستأتي بنتائج عكسية هذه المرّة فيوحّدان صفوفهما مجدداً لمواجهة استحقاقات داهمة مسيحياً كان ابرزها اخيراً مشروع قانون الانتخاب المقدّم من الرئيس نبيه بري، والذي جُوبه بموقف مسيحي موحّد ظهر فيه التيار والقوات رأس حربة في رفضه لانه يضرب مبدأ تصحيح التمثيل”.
اوساط “التيار الوطني الحر” استغربت عبر “المركزية” مواقف رئيس “القوات خلال اجتماعاته مع اركان الجالية اللبنانية في كندا، والتي عكست برأيها حال التشرذم السياسي بين اهل الحكم، علماً ان “القوات اللبنانية” مشاركة في الحكومة وتتحمّل جزءاً من المسؤولية”.
وسألت اذا لم يكن في لبنان رجال دولة كما يدّعي جعجع، فلماذا يستمر وزراء القوات في الحكومة ولماذا لا ينتقلون الى صفوف المعارضة، بدل ان يعارضوا من الداخل ويعرقلوا اقرار وتنفيذ بعض المشاريع، على قاعدة “إجر بالبور وإجر بالفلاحة”؟
وفيما يُفهم بين سطوره انه دعوة الى التلاقي لمعالجة الازمة بدل تقاذف كرة المسؤولية، اكدت الاوساط البرتقالية “ان الوضع الداخلي معقّد وهذا يُحتّم على القوى السياسية كافة الالتزام بمواقف وخيارات وسياسة الدولة التي تعكسها حكومة الوحدة الوطنية”، مشيرةً الى “ان “الرجال” لا تعارض لمجرّد المعارضة انما تطرح الحلول، وهذا جوهر خيار المعارضة لا العكس”.
وفي حين لفتت الى “ان المرحلة صعبة ودقيقة تفرض شبك الايادي للخروج من الازمة وانقاذ الوطن بأقل كلفة ممكنة”، اعتبرت الاوساط “ان ما نسمعه من مواقف تصوّب على العهد وعمل الحكومة التي تضمّ مختلف القوى السياسية، لا يُمكن إدراجه الا في خانة الشعبوية و”للتمريك” على العهد”، مستغربةً توقيت هذه المواقف وكأن الانتخابات النيابية او الرئاسية غداً”؟
وذكّرت الاوساط “بأن ما نشهده اليوم من ازمة اقتصادية ومالية هو نتيجة تراكمات من دون ان نغفل الملف الضاغط على الاقتصاد وهو ملف النازحين السوريين، اذ ان عدد غير اللبنانيين (منهم اللاجئون الفلسطينيون) يفوق خمسين بالمئة من الشعب اللبناني”، من هنا تختم الاوساط بضرورة “التوقّف عن “لعبة” تسجيل الاهداف في مرمى الخصوم لغايات انتخابية-شعبوية والالتفات سوياً الى الاوضاع المتدهورة لانقاذ ما يجب انقاذه قبل فوات الاوان. فسياستنا اليد الممدودة والعمل ضمن اطار التنسيق والحوار للخروج من الازمة التي نتخبّط بها والتفاهم بعيداً من سياسة الفرض. فكما تم التوافق على مواجهة مشروع قانون كتلة “التنمية والتحرير”-رغم ان الوقت ليس مناسبا لمناقشته، نستطيع التفاهم على الملف الاقتصادي والمالي وتحقيق الاصلاحات المطلوبة بعيداً من الانتقاد والقول “ان ليس في لبنان اليوم رجال دولة”.