كتبت إيلده الغصين في صحيفة “الأخبار”:
في السنوات الأخيرة، ارتفعت أعداد طلاب اختصاص التغذية وتنظيم الوجبات وزاد عدد الجامعات التي تدرّسه. ولأن خضوع هؤلاء لامتحان الكولوكيوم (باستثناء طلاب الجامعة اللبنانية) لنيل شهادتهم وإذن مزاولة المهنة من وزارة الصحة، يتطلّب تدريباً إلزامياً في أحد المستشفيات بعد نيل الإجازة، لمدة لا تقل عن ستة أشهر، انفتح امام المستشفيات «باب رزق» واسع.
الى سنوات خلت، كان تدريب طلاب اختصاص التغذية وتنظيم الوجبات مجانياً في المستشفيات، إلى أن قرّرت هذه الاستفادة من ارتفاع أعداد طلاب الاختصاص وتضاعف الطلب على التدرّب فيها، لتبدأ بفرض مبالغ ماليّة لقاء التدريب. متابعو الملف يؤكّدون أن الأمر بدأ مع دخول إحدى «الدكاكين» الجامعيّة السوق وتخريجها عدداً هائلاً من طلاب هذا الاختصاص مقارنة بالجامعة اللبنانية وبعض الجامعات التي تلتزم بعدد محدد من الخريجين سنوياً. افتتحت هذه الجامعة «البازار» بتقديم إغراءات ماليّة وعينيّة للمستشفيات لقبول طلابها… هكذا بدأ البدل المالي بمئة دولار شهرياً، ليصل اليوم إلى أكثر من أربعة آلاف دولار، بحسب المستشفى المُضيف والجامعة التي يأتي منها الطالب. واللافت أن البدل يُدفع للجامعات الخاصّة التي تتقاسمه مع المستشفى وفق اتفاقيات ثنائية بين الطرفين. فيما تبدو نقابة المستشفيات، بحسب مصادرها، آخر من يعلم بالأمر!
مصادر متابعة تؤكّد أن «12 جامعة تدرّس الاختصاص، وأن هناك أكثر من 600 خريج سنوياً معظمهم من جامعة واحدة، فيما تخرّج اللبنانية 45 طالباً، والجامعة اليسوعيّة 25 طالباً، ولا يتخطى عدد خريجي الأميركية والبلمند الـ50 طالباً لكل منهما».
تحصر الجامعة اللبنانية عدد طلاب الاختصاص بـ15 لكل فرع من الفروع الثلاثة (الحدث، الفنار، طرابلس) من أصل 6 فروع لكليّة الصحة. وتقول عميدة كلية الصحة في «اللبنانية»، نينا سعدلله زيدان، إن التدريب «مشكلة واجهناها كجامعة، وحاولنا التواصل مع المستشفيات لإعفاء طلابنا من دفع البدل، لكن المشكلة في المنافسة الكبيرة في السوق وفي الأعداد الكبيرة لطلاب الاختصاص التي تضخّها الجامعات الأخرى». وأوضحت أن طلاب اللبنانية يدفعون «بين 600 و1200 دولار للمستشفى مباشرة. حاولنا التواصل مع المعنيين لإعفاء طلابنا، لكن لا يمكننا إلزام المستشفيات بذلك. رغم ذلك، اتفقنا مع بعض المستشفيات لتقدّم أسعاراً مقبولة لطلابنا المتفوقين. وسياستنا قائمة على إبلاغ الطلاب بأن التدريب في نهاية سنوات الإجازة الثلاث مدفوع قبل اختيارهم الاختصاص».
تبرّر المستشفيات فرض بدل «أتعابها» بـ«الضغط المتزايد على المستشفيات وقلة عدد اختصاصيي التغذية» فيها المولجين بمتابعة الطلاب. ويوضح مصدر في أحد المستشفيات الجامعيّة، «أن التسعيرة موحّدة تقريباً، وهي تتفاوت بشكل بسيط بين مستشفى وآخر، وتشمل كلفة تعيين مدرّبين يتابعون الطلاب، ووضع برنامج للتدريب معتمد من وزارة الصحة، إضافة إلى تكاليف أخرى مثل الطعام واللوجستيات وتأمين المنامة للمتدربين. علماً أن المستشفى لا يستفيد من عمل طلاب التغذية، بعكس الأطباء المتمرّنين مثلاً». فيما يؤكّد متدربون لـ«الأخبار» أنهم يقومون بدورات عمل إلى جانب أخصائيي المستشفيات ويساعدونهم في الإشراف على وجبات طعام المرضى، لكنهم لا يحظون دائماً بالمتابعة المفترضة. وتقول إحدى الطالبات لـ«الأخبار» إن البدل المرتفع للتدريب «لا يتلاءم مع الإشراف البسيط من المستشفيات على عملنا وأحياناً غيابه تماماً».
12 جامعة تدرّس الاختصاص وأكثر من 600 خريج سنوياً معظمهم من جامعة واحدة
رئيس قسم علم التغذية وتنظيم الوجبات في جامعة القديس يوسف – اليسوعيّة الدكتور خليل الحلو، أوضح لـ «الأخبار» أن «المتدربين من طلابنا يدفعون بدل التدريب للجامعة التي عقدت اتفاقات مع 12 مستشفى تستوفي شروطنا. ويقدّم الطالب أسبوعياً عرضاً في الجامعة عن حالة يتابعها، وفي نهاية التدريب نجري امتحان التحقق من التدريب (Validation de stage)، ما يعني أن التدريب يجري تحت إشرافنا». وأوضح أنه «في اليسوعية يبلغ مجموع أرصدة التدريب 30 رصيداً (تقسم إلى دفعتين)، ويوازي الرصيد نحو 165 دولاراً. ومقابل ما تتقاضاه الجامعة من الطلاب، فإنها تدفع للمستشفيات مبالغ تتراوح بين 1200 و4000 دولار، بحسب المستشفى، وأحياناً يفوق المبلغ ما يدفعه الطالب». ويؤكد: «موقفنا كجامعة هو أنه بلا دفع أفضل، لكن المستشفيات فرضت الدفع، وقد توصّلنا إلى حلّ عادل يكفل لطلابنا المتابعة خلال التمرين وضبطه والتقييم الدوري منا ومن المستشفى. كما أننا نعيّن مشرفاً يقوم بزيارات دوريّة للمتدرّبين».
رئيسة قسم التغذية وتنظيم الوجبات في جامعة الروح القدس – الكسليك الدكتورة يونا صقر، شرحت أن «المستشفيات تحدّد المبلغ عن كل طالب، وهو يتفاوت بين مستشفى وآخر من 500 الى 2000 دولار، باعتبار أنها تخصص مشرفين للاشراف على المتدرّبين». وتؤكد أن الجامعات قبلت مرغمة بشرط الدفع «لعدم خسارة احتمال تدبير التدريب لطلابنا». فيما تلفت العميدة السابقة لكلية الزراعة وعلوم الأغذية في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة نهلة حوَلّا، الى أن «المستشفيات تفرض الدفع بما أن فرص التدريب في لبنان قليلة. ومع ازدياد عدد الطلاب والكليات التي تدرّس الاختصاص، وجدت المستشفيات طريقة للحصول على المال مقابل التدريب». وأوضحت أن طلاب الاختصاص في الجامعة الأميركية «يتدرّب معظمهم في المستشفى التابع لها (AUBMC) ويحصلون على اعتماد من الولايات المتحدة، ويدفعون مباشرة للجامعة، هنا يحصل تحويل للأموال ضمن البيت الواحد. إضافة إلى مستشفيين نتعامل معهما، هما مستشفى الحريري الجامعي والقديس جاورجيوس، وفي الحالتين الأخيرتين يدفع المتدرّب مباشرة للمستشفى». وأكدت أن مستشفى الجامعة الأميركية كان آخر مستشفى خاص لا يتقاضى بدلاً مالياً للتدريب، لكن الأمر انعكس ازدياداً للطلب عليه، «لذلك توصلنا إلى تدفيع الجميع، وتوازياً تعيين مشرف خاص للاعتماد (Accreditation)». المستشفيات، برأيها، «تفكّر من منطلق شو جابرنا وضع موظفينا للإشراف على المتدرّبين»، في وقت أن التدريب إلزامي و«الجامعات كانت تفتّش وتسعى للحصول على تدريب لطلابها». حوّلا تلفت أيضاً الى مشكلة نقص عدد أخصائيي التغذية في المستشفيات، إذ «يُفترض أن يكون لكل 3 متدربات أخصائية مجازة متابعة لهم. وأن يكون هناك أخصائية لكل 10 أسرة في المستشفى»، فيما الوضع حالياً هو أن هناك نحو 3 أخصائيين لكل مستشفى! وتشدد حولا على أن إقرار قانون إنشاء نقابة لأصحاب هذا الاختصاص «قد يُمكن من فرض شروط أفضل للتدريب».
ومعلوم أن مشروع قانون إنشاء النقابة موجود حالياً لدى لجنة الإدارة والعدل النيابيّة، لكنه «ليس أولويّة» لأعضائها ورئيسها النائب جورج عدوان. فبعد سنوات من التأخير في دراسته في لجنة الصحة «كرمى لإحدى الجامعات وخشيتها من شروط النقابة على طلابها» وفق أحد المشاركين في النقاشات، أقرّته اللجنة معدلاً بداية العام الجاري، ليعود إلى لجنة الإدارة والعدل لإعادة درسه حيث لا يزال عالقاً فيها. هذا التأخير وعدم تشكيل النقابة، ينعكسان «فوضى» في تنامي أعداد أخصائيي التغذية وتفريخ العيادات بما يفيض عن حاجة السوق.
القانون لم يحدد رسماً على التدريب
أقرّ عام 2004 أولّ قانون يرعى قطاع التغذية في لبنان، الرقم 623 الخاص بتنظيم ممارسة مهنة علم التغذية وتنظيم الوجبات. وألحق بالمرسوم 15796/ 2005 الخاص بشروط تقديم طلبات الاستحصال على إجازة في علم التغذية وتنظيم الوجبات. المادة 5 من المرسوم حدّدت «رسم الطابع المالي المقرّر بموجب المادة 11 من القانون رقم 623/ 2004، على الوجه التالي: 150000ل.ل. (ماية وخمسون ألف ليرة لبنانية) عن الإجازة بممارسة المهنة. يستوفى هذا الرسم بموجب طابع مالي يلصق على الإجازة». ولم يحدّد أي رسم إضافي خاص بالمستشفيات لقاء التدريب الإلزامي للطلاب الذي يفرضه نظام امتحانات الكولوكيوم (المادة 2 تحدّد من بين المستندات المطلوبة للترشيح: إفادة تمرين في مستشفى جامعي لا تقل عن ستة أشهر بعد نيله الإجازة).