IMLebanon

ماذا سيتبع مواقف باسيل حيال سوريا؟

 

هل «ينجو» لبنان من الاستقطابِ السياسي المُعلَن والمكتوم، الذي أَحْدَثَهُ موقفُ وزير الخارجية جبران باسيل في الاجتماع الطارئ لنظرائه العرب في القاهرة (السبت) والذي أثار خشيةً من ارتداداتٍ خارجية له في ضوء ما انطوى عليه من خروج عن مظلّة الإجماع العربي كما الداخلي في مقاربة الأزمة السورية ومطالبته باستعادة نظام الرئيس بشار الأسد مقعده في جامعة الدول العربية؟
هذا السؤال دَهَمَ أمس بيروت التي لم تكن خرجتْ بعد من «صدمةِ» كلامِ باسيل في القاهرة، حين عاجَلَها رئيسُ «التيار الوطني الحر» (باسيل) بـ «وابل» من مواقف أكثر انقسامية، ذهب فيها حدّ كشْفه أنه سيزور سورية معلناً مرّتين «بدي اطلع على سورية» (لإعادة النازحين والموضوع الاقتصادي)، مهدّداً «المخرّبين الذين يتطاولون علينا بحراك وتحرّكات» بـ «أنّنا كما الماء نجرفكم في لحظة لا تتوقّعونها، وانتم تنتظرون عند حافّة النهر مرور جثتنا».
وفي الاحتفال الذي أقامه «التيار الحر» مساء أمس في منطقة الحدَث بحضور حشد شعبي في ذكرى 13 اكتوبر 1990 (إطاحة الرئيس ميشال عون بالقوة من قصر بعبدا الذي كان دَخَلَه كقائد للجيش العام 1988 رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية)، لوّح باسيل بإسقاط الحكومة، إذ توّجه إلى عون عشية مرور النصف الأول من الولاية الرئاسية «الوقت يمرّ، وفي اليوم الذي تشعر أنّك لم تعد تستطيع أن تتحمّل، نطلب منك أن تضرب على الطاولة ونحن مستعدون لقلب الطاولة! ومنطلع على ساحة قصر الشعب أحسن ما نكون جالسين على أحد كراسيه، وأنت بترجع تتصرّف متل العماد عون… يمكن أحسن من الرئيس عون».
وقد «خَرَقَ» هذا العنوانُ الإشكالي الأجندةَ اللبنانية، ليعود معه «صوتُ السياسةِ» إلى المَشْهِدِ الداخلي بعد أسابيع بدا معها أن لا صوتَ يعلو فوق المَساعي الرامية إلى توفير أرضيةٍ محلية «مدعومة» خارجياً لتشكيل «جسرِ عبورٍ» من الأزمة المالية التي تقبض على البلاد والتي تتشابك في جوانب منها مع عوامل سياسية ذات صلة بملفات إقليمية وأدوار «حزب الله» العابرة للحدود والتي ترتّب أكلافاً على الواقع المالي – الاقتصادي.
وتُنذر التداعياتُ «الانقساميةُ» لإطلالة باسيل في بيروت والقاهرة بـ «موجاتٍ ارتدادية» يُخشى أن تترك انعاكاساتٍ سلبيةً على مسارِ «حفْر» مَخْرجٍ من الورطة المالية التي تقبض على لبنان والتي بدأت تجلياتُها بالظهور مع انكشاف شحّ الدولار الأميركي في الأسواق وما يتفرّع عنه من أزمات ذات طابع معيشي تحوّلت في الفترة الأخيرة «الخبز اليومي» للبنانيين الذين سيعيشون اليوم بلا رغيف خبزٍ في ظل الإضراب الذي ينفّذه أصحاب الأفران.
وجاءت هذه «الصعقة» السياسية بعدما بدا واضحاً وفق أوساط سياسية أن اندفاعةَ الوزير باسيل سواء عبر المطالبة باستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية أو الغمز من قناة بلدان خليجية أو اتهام الدول العربية بانتظار «الأضواء الخضر من كل حدب وصوب» أَحْدَثتْ تفاعلاتٍ خارجية لجهة تظهيرها عدم التزام لبنان سياسة النأي بالنفس التي يكرّر رئيس الوزراء سعد الحريري أنها تشكّل الخط البياني لسياسة حكومته الخارجية، ناهيك عن الصخب الداخلي الذي سبّبتْه لجهة الأسئلة التي طرحتْها حول موقع الحريري بإزاء كلام وزير الخارجية وإذا كان منسَّقاً معه وهل يعبّر عن موقف الحكومة.
وما عزّز هذا الانطباع خروج الحريري عن صمته ببيانٍ لمكتبه الإعلامي وضعه في سياق «تعقيباً على ردود الفعل التي تلت موقف لبنان في اجتماع جامعة الدول العربية»، وأكد فيه «التزام لبنان مقتضيات الإجماع العربي في ما يتعلق بالأزمة السورية وآخِرها البيان الذي صدر عن الاجتماع الأخير في القاهر»، موضحاً «أن البيان الوزاري للحكومة لم يقارب مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية، وهو كرر تأكيد سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون العربية»، ولافتاً إلى أن «موقف الحكومة من التطورات العسكرية الأخيرة على الحدود التركية – السورية يعبّر عنه البيان الصادر عن وزارة الخارجية وليس أي مواقف أخرى».
وفيما اعتبرت مصادر سياسية أن موقف الحريري جاء في إطار محاولة «تصويب» كلام باسيل واحتواء تداعياته خارجياً، وفي الوقت نفسه تَفادي استدراج مشكلة داخلية عشية أسبوعٍ يفترض أن يشهد إنجاز مشروع قانون موازنة 2020 من ضمن مسار «تأهيل» البلاد للاستفادة من مخصصات مؤتمر «سيدر» وغيرها من مصادر الدعم الخارجي، لم تتوانَ دوائر أخرى عن الإشارة إلى أن بيان رئيس الحكومة لم يحمل أجوبةً شافية حول إذا كان منسَّقاً مع رئاسة الحكومة أو يعبّر عنها، معربة عن الخشية من أن تُفسَّر «دوْزنة» الحريري لـ «بيان التصويب» على أنها مؤشّرٌ إضافي إلى اختلال التوازنات في لبنان لمصلحة شريكيْه في التسوية «حزب الله» و«التيار الوطني الحر».
وإذ يُتوقَّع أن تحضر مجمل مواقف باسيل اليوم على طاولة مجلس الوزراء «من خارج جدول الأعمال»، تتحرى المصادر السياسية عن خلفيات الدفْع الممنْهج في الفترة الأخيرة نحو التطبيع مع النظام السوري بعد «استكانة» تحالف «حزب الله» – التيار الحر لنحو عامين، ملاحظة أن هذا المسار استعاد اندفاعته، بدءاً من كلام الرئيس ميشال عون في الأمم المتحدة وتلويحه بالتواصل المباشر مع نظام الأسد لبت ملف النازحين، مروراً بإثارة مسألة انتداب وزيرٍ للتواصل المباشر والرسمي مع هذا النظام حول سبل الاستفادة من معاودة فتْح معبر البوكمال (بين سورية والعراق)، وصولاً إلى كلام باسيل الذي يأتي بعد أيام قليلة على لقاء الثماني ساعات بينه وبين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله.