كتب حسن خليل في صحفة “الجمهورية”:
ترمي لنا الطبقة الحاكمة أو معظم أطرافها، قضية الخصخصة كحلّ سحري للأزمة المستفحلة التي أوصلتنا إليها. لكن الخصخصة المتّبعة دولياً مختلفة عن تلك التي يريدونها هم، في استمرار مسار السطو على الدولة وبيعها بأرخص الأسعار…
الخصخصة مطروحة في النقاش اللبناني منذ ظهور الحريرية السياسية في التسعينيات، وبعدها بدأ الترويج لما عُرف بالشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، واندفعت القوى الحاكمة آنذاك في هذا الخيار من أجل بيع مرافق الدولة بأزهد الأسعار، تذهب إلى المشاركين أنفسهم في نظام المحاصصة. وقد تمّ تعيين مجلس أعلى للخصخصة لهذه الغاية.
والحقيقة، انّ مبدأ الخصخصة ليس سلبياً في المُطلق، كما يدّعي اليسار «الحاقد» في مواجهة اليمين «الجشِع»، اللذان يتنافسان في السوء، بل هو مبدأ يستطيع أن يكون مفيداً للدولة والمواطن في حال تمّ تطبيقه في شكل صحيح، ومن ضمن منظومة حكم تتميّز بالنزاهة والشفافية وعدم وجود المحاصصة. بالتالي، فإنّ المواجهة ليست بين الخصخصة ومن يعارضها، كما يدّعي من يحاول حرف النقاش عن جوهره وحقيقته…
من هنا، لا اعتراض على مبدأ الخصخصة، لكن تحت إدارة حكومة مسؤولة، وضمن نظام يتميّز بوجود موالاة ومعارضة، ما يؤدي إلى تحقيق الشفافية والمراقبة الجدّية على عمل الإدارات والأجهزة الحكومية وإدارة الخصخصة، لا أن تُدار من قِبل حكومة محاصصة فقدت الثقة من أغلبية الشعب اللبناني، كما هو الحال اليوم…
كيف يمكن تحقيق الخصخصة في نظام قضائي، يتبع المدّعي العام التمييزي فيه لمرجعية سياسية من لون ما، والمدّعي العام المالي لمرجع سياسي من لون آخر، ويتوزع وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى المدّعين العامين بين القوى السياسية الطائفية الأخرى؟…
فملفّ الخليوي، كما طُرح بيعه في السابق بمليار دولار، آنذاك، ثم بملياري دولار فقط، بات يدرّ على الدولة، كإيراد في سنة واحدة، ما يوازي هذه الأرقام، على الرغم من كل الفساد الذي يحيط به، ومن خلال توزيع إدارة شركتي الخليوي اللتين حتى اليوم، لا يفهم أحد منطق أن تملك الدولة شركتين لا تتنافسان وتنفقان مصاريف مزدوجة على الأعمدة والأجهزة والإيجارات. لماذا لا يتم دمجهما وتوفير كل النفقات التشغيلية، واستئجار مراكز رئيسية لهما خارج العاصمة بنسبة ضئيلة مما يدّعي وزير الإتصالات أنّه قام بتوفيره بجهد جبار من خلال شراء مبنى لتوفير الإيجارات مستقبلاً؟ إنَّ تجربة الهاتف الخليوي هي اوضح مثال على السرقة الموصوفة التي لا يمكن أن تتجلّى بمثل أقوى من ذلك… وما زالت المحاولات مستمرة لخصخصة الكهرباء بالمنطق نفسه، وغيرها وغيرها من القطاعات والمرافق كالمرفأ والمطار…
على المواطن أن يعلم أنّ ما من دولة تبيع قطاعاً خدماتياً وهي مفلسة، ذلك أنّ أسوأ أوقات الخصخصة هو بيع أصول الدولة في زمن تفليسة. لكن المشكلة، والتي نعيد التذكير بها، أنّ الفريق نفسه الذي شاركَ في الإفلاس يريد أن يكون شريكاً في التفليسة من أجل السطو على ما تبقّى من مرافق، وضمّها إلى دائرة المنهوبات في عهدته!
كيف يمكن الوثوق بفريقٍ حاكم أعطى تمديد شبكة الألياف الضوئية إلى شركات خاصة معروفة للقاصي والداني حماية النفوذ السياسي التي تحظى بها، على الرغم من أنّه ليس لبعض هذه الشركات خبرة في هذا المجال.
كذلك أُعطيت معدات «أوجيرو» لتنفيذ العقد بدل استخدام معداتها الخاصة، وستجني هذه الشركات 80% من إيراد «أوجيرو» المستقبلي بدل ذهابها إلى خزينة الدولة. علماً أنّ رئيس «أوجيرو» الحالي عبّر أكثر من مرة عن قدرة الهيئة الذاتية على مدّ شبكاتها على كل الأراضي اللبنانية.
والمعروف أيضاً كيف جمع رئيس الحكومة وزير الإتصالات في حينه ورئيس هيئة «أوجيرو» لفضّ النزاع بينهما كي تستمر الهيئة في وضع اليد على هذا القطاع.
هذه هي الخصخصة التي يريدها الفريق الحاكم…
أليست «سوليدير» مع كل جمالها المعماري، إحدى تلك النماذج الفاحشة في السطو على ثروة اللبنانيين وممتلكاتهم وتمركز الأسهم في أيدي بعض الرأسمال، مموّهة بطرح السهم في البورصة؟ ألم نلاحظ أنّ الشهية مفتوحة على قطاع الكهرباء من أجل السطو عليه وشرائه بأبخس الأثمان؟
إنتبهوا من الحملات الإعلامية التي تركّز على الفشل المزعوم للدولة في إدارة مرافقها، في سبيل الترويج للخصخصة المشوّهة بالفساد والمحاصصة… وإذا كان لا بدّ منها، يجب الاعلان أنّ من أدّى إلى هذه الحالة الإفلاسية، لا يمكن أن يؤتمن على الإشراف على الخصخصة…
إنّ الخصخصة المنتجة والشفافة، وبالتالي المطلوبة، لن تكون أبداً ثمرة هذا النظام التحاصصي.