كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:
لا يمكن لعاقل أن يتصوّر أن إعلان وزير الخارجية جبران باسيل عن نيته زيارة سوريا كان مفاجئاً، أو أنه نطق به من دون وجود خطوات مسبقة واتصالات جرت وتجرى تحت الطاولة، كما يصعب التصديق أن رئيس الحكومة سعد الحريري تلقى هذا الإعلان مثله مثل أي مواطن عادي في الجمهورية. هذا ما تكشفه ردود الفعل الأولية على خطاب باسيل أمس الأول، والتي تمثلت بضوء أخضر غير مباشر من رئيس الحكومة سعد الحريري، وبترحيب سوري عبّرت عنه بعض المصادر من خلال وصف خطوة باسيل بالقرار الاستراتيجي المرتبط بسياسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية ومحاولات إفشال عهده.
في كلّ الأحوال، يمكن القول إن موقف باسيل كان جريئاً ومتقدّماً، بعدما كان باسيل نفسه يمنع وزراء “التيار الوطني الحر” من زيارة سوريا إلا بعد نيل موافقة مجلس الوزراء، وكان يتجنّب كما رئيس الجمهورية طرح موضوع العلاقات اللبنانية – السورية للحؤول دون تفجير الحكومة. وهذا ما يؤكد وجود مستجدات وظروف معينة أفضت إلى إعلان باسيل عن زيارة يعتزم القيام بها في توقيت يختاره لن يكون بعيداً. وعلى قدر ما كان إعلان باسيل جديداً، شكل بيان الحريري المقتضب بشأنه أمس المفاجأة الثانية، أو الخطوة الاستكمالية لما قاله وزير الخارجية. يمكن القول إن بيان الحريري أعطى تقريباً الضوء الاخضر لزيارة باسيل، إذ قال الحريري بالحرف “إذا أراد رئيس “التيار الوطني” زيارة سوريا لمناقشة إعادة النازحين السوريين فهذا شأنه. المهم من وجهة نظر رئيس الحكومة هو النتيجة، فلا يجعل النظام السوري من الزيارة سبباً لعودته إلى لبنان لأننا لا نثق بنوايا النظام من عودة النازحين، وإذا تحققت العودة فسنكون أوّل المرحبين”. تقصّد الحريري الحديث إلى باسيل بوصفه رئيس “التيار الوطني الحر” وليس وزير الخارجية، وانطلاقاً من هذا الاعتبار تعاطى مع فعل الزيارة على أنه شأن خاص متعلق برئيس تيار سياسي محاولاً تطويق أي سجال متوقع في شأنه، وقد عبّر عن المسألة بصريح العبارة حين قال إن “البلد لا تنقصه سجالات”.
وبإيجابية تلقف “التيار الوطني” كلام الحريري واعتبره كلاماً منطقياً وموزوناً ويدفع الأمور بالاتجاه الايجابي لا سيما وانه صدر عن مسؤول في الدولة. واذا استطاع باسيل تقطيع الموضوع بسلام داخل مجلس الوزراء من دون أن تتبرأ الحكومة من كلامه، يكون موقفه أولاً وبيان الحريري ثانياً خطوة نحو بناء مسار جديد للعلاقات اللبنانية – السورية ولو من بوابة عودة النازحين.
بجملتين لخص باسيل أهداف زيارته الى سوريا وحصرها بعودة النازحين، وفتح المعابر بين العراق وسوريا وكيفية الاستفادة منها محلياً لخفض الرسوم وتصدير المنتجات اللبنانية، وهما مطلبان ملحان في الوقت الحاضر ولا سيما في ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعيشها لبنان.
ولا يمكن فصل الإعلان عن الزيارة والمجاهرة به عن وجود مناخ اقليمي ودولي ومتغيرات تفرض نفسها داخل سوريا وخارجها. يقرأ باسيل المتغيرات جيداً، ويلمس محاولة حصار للعهد وحلفائه في لبنان بقرار أميركي واضح، وبالتالي بات عليه ان يخطو خطوة الى الامام، ليقول للآخرين: إذا كنتم تحاصرونني فلديّ خيارات أخرى يمكن من خلالها كسر الحصار الاقتصادي والسياسي مع سوريا التي هي الامتداد الطبيعي للبنان.
كان يفترض ان يتخذ القرار خلال جلسة مجلس الوزراء السابقة لكن الحريري فضل التمهل لدراسة الموضوع. ربما بانتظار الضوء الأخضر الاميركي للاردن المتعلق ببيع الكهرباء الى سوريا.
واذا كان كلام باسيل أثار ردود فعل محلية فإن زيارته مرحب بها سورياً، حيث لاقت مواقف باسيل الأخيرة ترحيباً في الأروقة السورية التي تمنت أن يكون كلامه نابعاً من قرار استراتيجي وليس مجرد فشة خلق قبل أن تعقب أوساط مطلعة على الموقف السوري بالقول إنه “قرار استراتيجي نابع من نية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون”.
ولفتت المصادر إلى أن السوريين جاهزون لاستقبال النازحين، وقد أبلغوا لبنان بذلك مراراً وذلك من خلال خطة متفق عليها، فالقرار هو قرار لبناني يستوجب اتفاقاً ولجنة مشتركة لمتابعة الخطوات التنفيذية على الأرض. واعتبرت أن الكرة في الملعب اللبناني، وان سوريا جاهزة لاستقبال النازحين حين يجهز لبنان ولطالما كرّرت دعوتها بهذا الشأن وهذا كلام تبلغه لبنان من خلال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي حمل مراراً وتكراراً الى رئيس الجمهورية حديثاً عن ضرورة تفعيل التعاون وتشكيل لجنة مشتركة لبحث مسألة النازحين.
لطالما اعتبرت سوريا أن عودة النازحين لا تحصل بالخطابات والمواقف وإنما يلزمها قرار من الحكومة اللبنانية، وتقول مصادر مطلعة على أجوائها إنّ “باسيل مرحب به في اي لحظة والتواصل مع لبنان قائم من خلال قنوات عدة”.